المساعد الشخصي الرقمي

اعرض النسخة الكاملة : نبذة عن أصح كتاب بعد القرآن الكريم



أبو سارة
12-12-2003, 01:21 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لايخفى على مطلع أن كتاب البخاري هو أصح كتاب بعد القرآن الكريم بإجماع أهل العلم ، ممن يعتد بعلمهم ،وقام العالم ابن حجر العسقلاني بشرحه بكتابه الموسوم (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) وهو كتاب جامع لعلوم شتى ، من تاريخ وتفسير وحديث وفقه ولغة ونحووصرف00الخ
لذا رأيت أن أتناوله(أي فتح الباري) بتعريف موجز أتطرق به إلى أهم مميزاته في لمحات كالبرق ،وإني أحتسب الأجر عند الله بذلك0
فلتأذنوا لي000
فهل تأذنون؟

ألف بيت
12-12-2003, 07:33 AM
ولم لا نأذن...‍

يا أخي الحبيب..اشرع بما عزمت عليه فنحن سنتابع ما ستكتبه ـ إن شاء الله ـ لعل الله أن يهدينا ونطلع عليه ونلازمه.

لا حرمك الله من الأجر والمثوبة.

د.محمد الرحيلي
13-12-2003, 07:41 AM
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد
السلام عليكم

ليس هذا مما يستأذن فيه يا أبا سارة فامض على بركة الله ...

أخوك أبو محمد

أبو سارة
13-12-2003, 09:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لكم جميعا على هذه الكلمات الطيبة ، وها أنا أنفذ ماوعدت به ،وقد قسمته إلى أربعة نبذ وهي علىالنحو التالي:
1- ترجمة البخاري0
2- نبذة عن جامعه الصحيح0
3- ترجمة ابن حجر0
4- نبذة عن كتابه فتح الباري
والله الموفق 0
أكتب هذه التراجم وأنا يقين بأن هناك الكثير من الأخوة لم يقرأوا تراجم وافية لهولاء الأعلام وكتبهم ،وقد تكون لديهم معلومات عابرة عنهم ، لذا أدرجتها هنا لتعم الفائدة ، ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه0
قال ابراهيم بن معقل النسفي :قال أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري ،كنا عند إسحق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال، فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح0
وروى الإسماعيلي عن البخاري قوله: لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا ،وما تركت من الصحيح أكثر0
= = = = ==
وهذه ترجمة الإمام محمد بن اسماعيل البخاري كما أوردها ابن كثير في تاريخه(البداية والنهاية):
صاحب الجامع الصحيح محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بزدزبه الجعفي مولاهم أبو عبد الله البخاري الحافظ، إمام أهل الحديث في زمانه، والمقتدى به في أوانه، والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه، وكتابه الصحيح يستقى بقراءته الغمام، وأجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه، وكذلك سائر أهل الإسلام، ولد البخاري - رحمه الله - في ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة أربع وتسعين ومائة، ومات أبوه وهو صغير فنشأ في حجر أمه فألهمه الله حفظ الحديث وهو في المكتب، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشر سنة حتى قيل‏:‏ إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سرداً، وحج وعمره ثماني عشرة سنة‏.‏
فأقام بمكة يطلب بها الحديث، ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها وكتب عن أكثر من ألف شيخ‏.‏
وروى عنه خلائق وأمم‏.‏
وقد روى الخطيب البغدادي عن الفربري أنه قال‏:‏ سمع الصحيح من البخاري معي نحو من سبعين ألفاً لم يبق منهم أحد غيري‏.‏
وقد روى البخاري من طريق الفربري كما هي رواية الناس اليوم من طريقه، وحماد بن شاكر وإبراهيم بن معقل وطاهر بن مخلد‏.‏ وآخر من حدث عنه أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البردي النسفي؛ وقد توفي النسفي هذا في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة‏.‏ ووثقه الأمير أبو نصر بن ماكولا‏.‏
وممن روى عن البخاري مسلم في غير الصحيح، وكان مسلم يتلمذ له ويعظمه، وروى عنه الترمذي في جامعه، والنسائي في سننه في قول بعضهم‏.‏
وقد دخل بغداد ثمان مرات، وفي كل منها يجتمع بالإمام أحمد، فيحثه أحمد على المقام ببغداد ويلومه على الإقامة بخراسان‏.‏
وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج، ويكتب الفائدة تمر بخاطرة ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريباً من عشرين مرة‏.‏ وقد كان أصيب بصره وهو صغير فرأت أمه إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - فقال‏:‏ يا هذه قد رد الله على ولدك بصره بكثرة دعائك، أو قال‏:‏ بكائك، فأصبح وهو بصير‏.‏
وقال البخاري‏:‏ فكرت البارحة فإذا أنا قد كتبت لي مصنفات نحواً من مائتي ألف حديث مسندة‏.‏
وكان يحفظها كلها‏.‏
ودخل مرة إلى سمرقند فاجتمع بأربعمائة من علماء الحديث بها، فركبوا أسانيد وأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، وخلطوا الرجال في الأسانيد وجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها، ثم قرؤوها على البخاري فرد كل حديث إلى إسناده، وقوم تلك الأحاديث والأسانيد كلها، وما تعنتوا عليه فيها، ولم يقدروا أن يعلفوا عليه سقطة في إسناد ولا متن‏.‏
وكذلك صنع في بغداد‏.‏
وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظه من نظرة واحدة‏.‏
والأخبار عنه في ذلك كثيرة‏.‏
وقد أثنى عليه علماء زمانه من شيوخه وأقرانه‏.‏
فقال الإمام أحمد‏:‏ ما أخرجت خراسان مثله‏.‏
وقال علي بن المديني‏:‏ لم ير البخاري مثل نفسه‏.‏
وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ لو كان في زمن الحسن لاحتاج الناس إليه في الحديث ومعرفته وفقهه‏.‏
وقال أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير‏:‏ ما رأينا مثله‏.‏
وقال علي بن حجر‏:‏ لا أعلم مثله‏.‏
وقال محمود بن النظر بن سهل الشافعي‏:‏ دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها، كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فضلوه على أنفسهم‏.‏
وقال أبو العباس الدعولي‏:‏ كتب أهل بغداد إلى البخاري‏:‏
المسلمون بخير ما حييت لهم * وليس بعدك خير حين تفتقد
وقال الفلاس‏:‏ كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث‏.‏
وقال أبو نعيم أحمد بن حماد‏:‏ هو فقيه هذه الأمة‏.‏
وكذا قال يعقوب بن إبراهيم الدورقي‏.‏
ومنهم من فضله في الفقه والحديث على الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه‏.‏
وقال قتيبة بن سعيد‏:‏ رحل إلي من شرق الأرض وغر بها خلق، فما رحل إلى مثل محمد بن إسماعيل البخاري‏.‏ ‏
وقال مرجى بن رجاء‏:‏ فضل البخاري على العلماء كفضل الرجال على النساء - يعني في زمانه - وأما قبل زمانه مثل قرب الصحابة والتابعين فلا‏.‏
وقال‏:‏ هو آية من آيات الله تمشي على الأرض‏.‏
وقال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدرامي‏:‏ محمد بن إسماعيل البخاري أفقهنا وأعلمنا وأغوصنا وأكثرنا طلباً‏.‏
وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ هو أبصر مني‏.‏
وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق‏.‏ وقال عبد الله العجلي‏:‏ رأيت أبا حاتم وأبا زرعة يجلسان إليه يسمعان ما يقول، ولم يكن مسلم يبلغه، وكان أعلم من محمد بن يحيى الذهلي بكذا وكذا، وكان حيياً فاضلاً يحسن كل شيء‏.‏
وقال غيره‏:‏ رأيت محمد بن يحيى الذهلي يسأل البخاري عن الأسامي والكنى والعلل، وهو يمر فيه كالسهم، كأنه يقرأ قل هو الله أحد‏.‏
وقال أحمد بن حمدون القصار‏:‏ رأيت مسلم بن الحجاج جاء إلى البخاري فقبل بن عينيه وقال‏:‏ دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله، ثم سأله عن حديث كفارة المجلس فذكر له علته فلما فرغ قال مسلم‏:‏ لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك‏.‏
وقال الترمذي‏:‏ لم أر بالعراق ولا في خراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من البخاري، وكنا يوما عند عبد الله بن منير فقال للبخاري‏:‏ جعلك الله زين هذه الأمة‏.‏
قال الترمذي‏:‏ فاستجيب له فيه‏.‏
وقال ابن خزيمة‏:‏ ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري‏.‏
ولو استقصينا ثناء العلماء عليه في حفظه وإتقانه وعلمه وفقهه وورعه وزهده وعبادته لطال علينا، ونحن على عجل من أجل الحوادث والله سبحانه المستعان‏.‏
وقد كان البخاري - رحمه الله - في غاية الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في الدنيا دار الفناء، والرغبة في الآخرة دار البقاء‏.‏
وقال البخاري‏:‏ إني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطالبني أني اغتبته‏.‏
فذكر له التاريخ وما ذكر فيه من الجرح والتعديل وغير ذلك‏.‏ فقال‏:‏ ليس هذا من هذا‏.‏
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ )إيذنوا له فلبئس أخو العشيرة‏(
ونحن إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا‏.‏
وقد كان - رحمه الله - يصلي في كل ليلة ثلاث عشرة ركعة، وكان يختم القرآن في كل ليلة رمضان ختمة، وكانت له جدة ومال جيد ينفق منه سراً وجهراً، وكان يكثر الصدقة بالليل والنهار، وكان مستجاب الدعوة مسدد الرمية شريف النفس، بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه فأرسل إليه‏:‏ في بيته العلم والحلم يؤتى - يعني إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إلي - وأبى أن يذهب إليهم‏.‏
والسلطان خالد بن أحمد الذهلي نائب الظاهرية ببخارى، فبقي في نفس الأمير من ذلك، فاتفق أن جاء كتاب من محمد بن يحيى الذهلي بأن البخاري يقول لفظه بالقرآن مخلوق - وكان وقد وقع بين محمد بن يحيى الذهلي وبين البخاري في ذلك كلام وصنف البخاري في ذلك كتاب أفعال العباد - فأراد أن يصرف الناس عن السماع من البخاري، وقد كان الناس يعظمونه جداً، وحين رجع إليهم نثروا على رأسه الذهب والفضة يوم دخل بخارى عائداً إلى أهله، وكان له مجلس يجلس فيه للإملاء بجامعها فلم يقبلوا من الأمير، فأمر عند ذلك بنفيه من تلك البلاد، فخرج منها ودعا على خالد بن أحمد، فلم يمض شهر حتى أمر ابن طاهر بأن ينادى على خالد بن أحمد على أتان، وزال ملكه وسجن في بغداد حتى مات، ولم يبق أحد يساعده على ذلك إلا ابتلي ببلاء شديد، فنزح البخاري من بلده إلى بلدة يقال لها‏:‏ خرتنك على فرسخين من سمرقند، فنزل عند أقارب له بها وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن في الدين، لما جاء في الحديث‏:‏ )وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين( ثم اتفق مرضه على إثر ذلك‏.‏
فكانت وفاته ليلة عيد الفطر - وكان ليلة السبت - عند صلاة العشاء وصلى عليه يوم العيد بعد الظهر من هذه السنة - أعنى سنة ست وخمسين ومائتين - وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، وفق ما أوصى به، وحين ما دفن فاحت من قبره رائحة غالية أطيب من ريح المسك، ثم دام ذلك أياماً، ثم جعلت ترى سواري بيض بحذاء قبره‏.‏
وكان عمره يوم مات ثنتين وستين سنة‏.‏
وقد ترك - رحمه الله - بعده علماً نافعاً لجميع المسلمين، فعلمه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ )إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، علم ينتفع به( 0
الحديث رواه مسلم وشرطه في صحيحه هذا أعز من شرط كل كتاب، صنف في الصحيح لا يوازيه فيه غيره، لا صحيح مسلم ولا غيره‏.‏
وما أحسن ما قال بعض الفصحاء من الشعراء‏:‏
صحيح البخاري لو أنصفوه * لما خط إلا بماء الذهب
هو الفرق بين الهدى والعمى * هو السد بين الفتى والعطب
أسانيد مثل نجوم السماء * أمام متون لها كالشهب
بها قام ميزان دين الرسول * ودان به العجم بعد العرب
حجاب من النار لا شك فيه * يميز بين الرضى والغضب
وستر رقيق إلى المصطفى * ونص مبين لكشف الريب
فيا عالماً أجمع العالمو * ن على فضل رتبته في الرتب
سبقت الأئمة فيما جمعت * وفزت على زعمهم بالقصب (القصب=السبق)
نفيت الضعف من الناقل * ين ومن كان متهماً بالكذب
وأبرزت في حسن ترتيبه * وتبويبه عجباً للعجب
فأعطاك مولاك ما تشتهيه * وأجزل حظك فيما وهب
أما كتابه (الجامع الصحيح) فقد جمع فيه من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعة آلاف، عقد لها مائة كتاب ـ أو تسعة وتسعين ـ، وتفنن فيها كما شاء له علمه وفهمه، حتى قال الحاكم أبو أحمد: "لم أرَ تصنيف أحد يشبه تصنيفه في الحُسْن"، والتمس في تأليفه البركة، واستمسك فيه بالإخبات والإخلاص فقال: "ما وضعتُ في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلتُ قبل ذلك وصلّيتُ ركعتين". وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنّ الإمام البخاري حوّل تراجم جامعِهِ من المسودة وبيّضها بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره، وكان يصلي لكلِّ حديث ركعتين.
ومما يُشهد به للبخاري في هذا الكتاب المبارك أنه أسس منهجاً نقدياً أصيلاً، أعرض فيه عن الأحاديث الضعيفة والخرافات السخيفة التي تورّمت بها الثقافة الإسلامية حيناً من الدهر؛ جهلاً بالصحيح والمتواتر، وصار المبتدعة يعارضون بها القرآن! فالبخاري فارس الحلبة وأول من اشترط الالتزام بالأحاديث الصحيحة والاكتفاء بها، وفق ضوابط علمية دقيقة، ورؤية نقدية عميقة، ولفتات فقهية رشيقة.
ومن مآثر (الصحيح) أنه أكّد على المعرفة التامة الناصعة بالعقيدة، فبدأ بـ( بدء الوحي) و (الإيمان) وختمه بـ(الاعتصام) و(التوحيد). وذكر الأحكام المفصّلة والجامعة في العبادات والمعاملات وكلِّ نواحي الحياة، واهتمّ بذكر الآداب والمواعظ في كتاب (الأدب) و(الرقاق)، بالإضافة إلى ما نثره في بقية الكتب نثرَ الورود في الحدائق.
ومن روائعه أنه ضرب لنا أحسن الأمثال في تكامل العلوم الإسلامية محتفياً بعلوم شتى، فخصّ القرآن بكتابين في (الفضائل) و(التفسير)، واعتنى باللغة، وأشار إلى شيء من الأنساب والتاريخ، ونبه على قواعد الأصول وروح الجمع بين النصوص، وورود الناسخ، وإمكان الترجيح، كما ملأ (جامعه) بالفقه الدقيق واستخراج دقائق بمنتهى الكياسة، ولطائف في غاية النفاسة، حتى سار في الآفاق قول العلماء: "فقه البخاري في تراجمه"، فهو الذي نهج لأهل العلم اقتطاع الأحاديث على حسب النظرات الفقهية، وتكرارها حسب دلالاتها اللفظية، كيف وقد أورد زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أمِّنا صفية رضي الله عنها أربعين مرة، وقد ضمّن أبواب الصحيح تراجم "حيّرت الأفكار، وأدهشت العقول والأبصار" كما قال ابن حجر رحمه الله، لا سيما وهو يؤثر الاستدلال الخفيَّ على الجلي؛ "لغرض شحذ الأذهان في إظهار مُضْمَرِهِ واستخراج خَبِيئِهِ"؛ حتى علّق ابن رشيد على ما ترجم به البخاري في أوائل كتاب العلم: (باب من رفع صوته بالعلم) قائلاً: "في هذا التبويب رمزٌ من المصنِّف إلى أنه يريد أن يبلغ الغاية في تدوين هذا الكتاب بأن يستفرغ وُسْعَه في حسن ترتيبه، وكذلك فعل رحمه الله تعالى"، وقال مُعلّقاً على الباب الذي ختم به البخارى كتاب العلم حيث ترجم: (باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله)، فنبّه ابن رشيد ـ بحكمته وفطنته ـ على أن هذا "إشارةٌ منه إلى أنه بلغ الغاية من الجواب عملاً بالنصيحة، واعتماداً على النية الصحيحة، وأشار قبل ذلك بقليل بترجمة: (من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه) إلى أنه ربما صنع ذلك، فأتبع الطيّب بالطيّب بأبرع سياق وأبدع اتّساق"!
فإذا انضم إلى محلِّ ما ذُكر من روائع تبويبه، وبدائع ترتيبه، ونفائس تجميعه ما حفظه لنا البخاري من الأسانيد المتصلة برواية أكابر الثقات، حتى لا تنبني معرفتنا على الأوهام والتُّرَّهات، تبيّن لنا أنّ (الجامع الصحيح) جمع فأوعى، وكان اسماً على مسمّى، وما أحسنَ ما وصفه به صاحب (جواهر البخاري) حيث قال: "صار حَرِيّاً أن يُكتب بسواد المسك على بياض الكافور، ويُعلّق بخيوط النور، على نحور الحور ووجوه البدور"
هذا فيما يتعلق بالبخاري رحمه الله وكتابه الجامع الصحيح ، نقلتها من بعض المصادر الأصيلة ،مع التنبيه أن النقل من مواقع الشبكة بدون تمحيص قد يكون فيه مزلة عظيمة ، وذلك أن هناك بعض المواقع لاتتحرى الدقة بل تتعمد خلط السم بالعسل مما يتطلب مضاعفة التحري والتدقيق ،والحل هو عدم النقل إلا من مواقع موثوقة أو بالرجوع إلى المراجع الأصلية ، وقبل قليل كنت في أحد مواقع المذاهب الشاذة قرأت فيها كلاما منسوب إلى الإمام الذهبي ومعاذ الله أن يقول الذهبي ذلك ،فلما رجعت إلى كتابه عرفت أن التحريف والزيادة والتزوير بتلك النصوص المنقولة يستحق أكثر من قولنا تزوير ، فسبحان الله ما أكذب القوم0
نعود إلى موضوعنا فنقول:بعد ترجمة البخاري وصحيحه يليه إن شاء الله نبذة عن ترجمة ابن حجر العسقلاني وكتابه فتح الباري وهو بيت القصيد من موضوعنا0
ولكم مني أجمل وأزكى التحايا

د. خالد الشبل
15-12-2003, 01:05 PM
الأستاذ الكريم أبا سارة
صدقني لم أرَ هذا الموضوع إلا الساعةَ فاعذرني ، وإنني أؤيد الأساتيذ على قولهم ، فالدرر لا يستأذن فيها ، وبمناسبة هذا ليتك تتم موضوعك عن المتفرقات . لعلك ذكرته .
أحسنت ، واصل طرح مفيدك ، عشت .

أبو سارة
17-12-2003, 03:19 AM
الأستاذ خالد حفظه الله
أشكرك على هذه الكلمات الرائعة ،وما تشجيعك أنت وباقي الأخوة إلا دافع للمضي لمثل هذه الموضوعات التي تراها0
فما أحوجني إلى تصويباتكم وتصحيحاتكم ،أبقاكم الله ومتعنا بعلمكم0
وسأكمل الموضوع لاحقا إن شاء الله ، وسأكمل الموضوع الذي أشرت إليه أيضا أعلاه ،وأظنه ( من أقوال العلماء) أليس كذلك؟
لكم جميعا أجمل التحايا

أبو سارة
26-12-2003, 12:30 AM
السلام عليكم
استكمالا لما بدأت به أقول:
للإمام النووي رحمه الله شرح لصحيح البخاري ولكن عاجلته المنية قبل إتمامه ،وصل فيه إلى كتاب العلم فمات قبل إتمامه ، قال في مقدمته مانصه: ( 00 ,اما صحيح البخاري :فها أنا أشرع في شرحه ، متوسط بين المختصرات والمبسوطات ، لامن المختصرات المخلات ولا من المبسوطات المملات ، ولولا ضعف الهمم وقلة الراغبين في المبسوط ، لبلغت به مايزيد على مئة من المجلدات ، مع اجتناب التكرير والزيادات العاطلات ،بل ذلك لكثرة فوائده ، و000) اهـ
وللإمام النووي كتاب لطيف وسمه: ( ماتمس إليه حاجة القاري لصحيح الإمام البخاري) حققه الشيخ على حسن عبدالحميد0
وقد قيل للإمام الشوكاني رحمه الله صاحب نيل الأوطار ، لو شرحت لنا صحيح البخاري فقال:لاهجرة بعد الفتح (أي لاشرح بعد فتح الباري)0
- - - - - - - - - - - - - - -
نكمل ترجمة ابن حجر فنقول:
هو الإمام الحافظ المحدث وحيد عصره وفريد دهره قاضي القضاة /أحمد بن على بن أحمد بن حجر العسقلاني الأصل ثم المصري المولد والنشأة ، ولد بالفسطاط فى 12 شعبان سنة 773 هـ وتوفي سنة 852هـ ، نشأ يتيما فكفله وصي والده زكي الدين الخرنوبي كبير التجار بمصر ، وعندما حج هذا الوصي سنة 784هـ اصطحب ابن حجر معه فمكنه ذلك من دراسة الحديث بمكة المكرمة وهو فى سن الثانية عشر من عمره ، ولما عاد إلى القاهرة درس على يد جماعة كبيرة من علماء عصره وفى مقدمتهم شمس الدين القطان ، وقد درس ابن حجر الفقه واللغة وعلوم القرآن وشغف بالحديث دراسته وتصنيفه وبلغت مصنفاته فى الحديث والفقه والتفسير وعلوم القرآن نحو مائة وخمسين مصنفا من أشهرها " فتح الباري بشرح صحيح البخاري " ، وكتاب " الإتقان فى فضائل القرآن " و " تعليق التعليق " والآيات النيرات فى معرفة الخوارق والمعجزات " وغيرها من المؤلفات العظيمة .
أما المؤلفات التاريخية فقد ترك ابن حجر العسقلاني للمكتبة التاريخية كتبا عظيمة أهمها " إنباء الغمر بأبناء العمر " وهو مؤلف ضخم يقع فى مجلدين كبيرين وقد دون فى هذا الكتاب تدوين الحوادث المعاصرة وإن كان قد تجاوز حوادث التواريخ المصري وتعدي ليدون ما يقع فى الأمم الإسلامية الأخرى من التركستان إلى المغرب .
أما الكتاب الثاني فهو كتاب " الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة " وهو معجم كبير ضمنه تراجم أعيان القرن الثامن الهجري من سنة إحدى وسبعمائة إلى أخر سنة ثماني مائة ، أما الكتاب الثالث فهو كتاب " رفع الإصر عن قضاة مصر " وهو معجم لقضاة مصر الذين تولوا القضاء منذ الفتح الإسلامي إلى أخر القرن الثامن الهجري .
قال السخاوي في مقدمة كتابه/الضوء اللامع: وكل ما أطلقت فيه شيخنا فمرادي به ابن حجر أستاذنا0 اهـ
تتلمذ ابن حجر على يد مشايخ كثر ومن أشهرهم نورالدين الهيثمي واالحافظ العراقي رحمهما الله ، ومن أشهر تلاميذه السخاوي صاحب الضوء اللامع والجلال صاحب تفسير الجلالين والبلقيني رحمهما الله جميعا0
وقد عاصر ابن حجر من العلماء كل من : أبو زرعة ابن العراقي وابن الهمام صاحب فتح القدير والبدر العيني صاحب عمدة القاري وابن ناصر الدين صاحب الرد الوافي0
هذه ترجمة مختصرة لابن حجر رحمه الله0
يبقى الآن الحديث عن كتاب (فتح الباري) وهو المراد من كل هذا الموضوع ،لأن هذا الكتاب يعد موسوعة من عالم متفنن بكل الفنون ، وقد قال فيه العلماء أقوال كثيرة ذكرت منها قول الشوكاني المتقدم على سبيل المثال 0
00يتبع إن شاء الله000

بحر المكارم
14-09-2005, 09:57 AM
:::


مسند الإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي العماني

هذا المسند أيضا من أصح الكتب بعد القرآن العظيم وخاصة أن سلسلة الحديث تصل إلى الإمام جابر بن زيد الأزدي وهذا الرجل العظيم والتابعي شُهد له بسعة علمه ولا أدل على ذلك شهادة ابن عباس رضي الله عنه ، وأدرك الإمام جابر سبعين بدريا ( الصحابة الذين شهدوا بدرا ) فحوى ما عندهم إلا البحر يعني ابن عباس ..

ودعونا من التعصب المذهبي لأننا أمة واحدة إسلامنا واحد .........
:;allh

أبو سارة
17-09-2005, 04:05 PM
أخي الفاضل
بداية أشكرك على أن ذكرتني بهذا الموضوع
وبالنسبة للتعصب الذي أشرتَ إليه ، فالحقيقة لم يظهر لي وجه التعصب الذي تعنيه ،وليتك تتفضل بتبيين ماخفي علينا.
سأكون لك من الشاكرين

ابن أبي الربيع
17-09-2005, 10:01 PM
الأخ بحر المكارم... ليس هناك عصبية وإنما هو اتباع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا أئمة الحديث الذين محصوا الحديث سنداً ومتناً ونقدوا الرجال . أما الربيع بن حبيب الفراهيدي فلم تترجم له كتب الرجال المعروفة وترجمته في كتب الأباضية
وحتى لا يقع الخلط الذي يروّج له بعضهم من باب التلبيس اعلم أن الربيع بن حبيب الذي ترجم له البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وابن شاهين في الثقات والإمام أحمد في العلل والمزي في تهذيب الكمال ج9 ص69
فهو غير صاحب المسند الذي يكنيه الأباضية بأبي عمرو ويسمونه الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي البصري مسكنا العماني أصلا ومدفننا ويؤرخون وفاته بسنة 170هـ
وبتتبع شيوخ وتلاميذ كل منهما ندرك أنهما متغايران ولا صلة لأحدهما بالثاني.
وسيأتي _ إن شاء الله _ باقي الكلام على نقد المسند الذي لم يرتب على طريقة المسانيد المعروفة.

بحر المكارم
18-09-2005, 03:00 PM
نشكر أخانا الجليل ابن أبي الربيع على تفضله الجم ولكن اسمع مني هذا الكلام :
إن هناك الكثير من العلماء العظام في الأمة الإسلامية والذين لم يترجم لهم وذلك لأسباب كثيرة منها سياسية وأخرى عقدية ..
الأمر الآخر يا شعلة الإسلام ابن أبي الربيع هل العلماء الذين ترجم عنهم في كتب التراجم هم العظام ولا يوجد في الأمة غيرهم؟!
كنت أقرأ في كتاب لأستاذ الشيخ أبي الحسن الندوي ـ جزاه الله تعالى عن الإسلام خير الجزاء فقد خدم الأمة الإسلامية بأبحاثه القيمة وبفكره الثاقب ـ يتحث عن نظرات في الأدب الإسلامي وذكر أن شبه القارة الهندية مليئة بالكنوز العظيمة التي لم تر النور بعد من علماء وكتب التي لم يترجم لها ودلل على ذلك بنماذج وهو بطبيعة الحال عالم بفن التراجم فماذا تقول بعد ذلك ؟؟؟؟
أضف إلى ذلك أننا أمة إسلامية نقبل الحق من أي شخص ونترك الباطل والإمام الربيع بن حبيب ــ رحمه الله ورضي عنه ــ من أئمة الحديث وهو الحافظ الحجة فإذا أردت أن تتبين ذلك فاقرأ مسنده وبين لي نقدك لهذا المسند العظيم .

وهناك أمر لا بد أن تعرفه وهو أن الإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي العماني تتلمذ على يد الإمام جابر العماني ــ رحمه الله تعالى ـ وأخذ كثيرا عن تلميذ الإمام جابر هو الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي ــ رحمه الله ــ وهذه السلسلة تؤكد الثقة في النقل وبالتالي مقدار الصحة أكثر من أي كتاب بعد القرآن الكريم ....

أما الجامع الصحيح للإمام البخاري وغيرها فيها أحاديث ضعيفة وبالتالي فمقدار الصحة أقل . وأما الإمام الربيع بن حبيب فهو قريب العهد بالصحابة رضوان الله تعالى عليهم .............

فاعذرني على الإزعاج المتواصل ولكن هذه كلمة حق لا بد أن تقال. والعبرة بالدليل لا بقول فلان ولا فلان ..
وهناك كتاب تحدث عن الجامع الصحيح للإمام البخاري والجامع الصحيح لمسلم وذكر أقوال العلماء في الأحاديث المروية في هذين الكتابين وهل كل ما جاء في الجامعين صحيح ؟ واسم هذا الكتاب ((( الطوفــــــــــــان الجــــــــــــــارف لكتائب البـــــغي والعدوان ))) للعلامة القنوبــــــــــــــــي ......
وأقول في آخر المطاف لاتقتصروا على قراءة كتب مذهبكم فقط بل اقرأوا في جميع كتب المذاهب الإسلامية لأننا كلنا مسلمون حتى نستطيع فهم الآخرين وما مرادهم بذلك وحتى يكون هناك حوار هادف بيننا ولا نحكم على كتاب بحكم عالم من علمائنا بل احكم أنت بنفسك عن ذلك الكتاب لا تنقل ما قاله فلان من نقد فعليك أولا بقراءة الكتاب قراءة متمعنة وهناك شروط للناقد الحقيقي فارجع إلى مظانها في كتب العلم.....

والله الموفق

أبو سارة
18-09-2005, 04:35 PM
الأستاذ بحر المكارم
في الحقيقة لم اسمع بهذا الرجل ومسنده من قبل ، وبعد كتابتك الآنفة حاولت البحث عن ترجمة الإمام الربيع الفراهيدي الذي تزعم أنه صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ، ولكن للأسف لم أجد له ترجمة في كتب تراجم الإسلام مع أنه من أعيان القرن الثاني الهجري ،باستثناء ترجمة مقتضبة في أعلام الزركلي ،ووجدت على الشبكة تحقيقا لأحد الكتاب(وهو تحقيق جدير بالنظر) لم أرغب بنقله إليك لأنه بالتأكيد لن يسرك ، لذا أعرضت عنه ، وها أنا أطلب منك أن تتفضل وتذكر لنا ترجمة صاحب المسند ،ثم سنتناول الموضوع بحيادية نزولا عند رغبتك.
واذكرك بما بدأتَ به ، وهو عدم التعصب.

ودمت سالما

بحر المكارم
19-09-2005, 11:12 AM
أبا سارة مشرفنا الفاضل أشكرك بالغ الشكر على تفهمك لمثل هذه القضايا وأسأل الله تعالى أن يبارك فيك وأن ينصر الإسلام والمسلمين لأننا بحاجة إلى مثل هذا النوع من التفاهم وحتى تتأصل وتقوى روابطنا كأمة إسلامية ......

وبإذن الله تعالى سوف أقدم لكم ترجمة عن هذا الرجل ..

...................... ترقبوا الترجمة ................ بإذن الله


((((((((((( نحو توحيد الأمة الإسلامية ونبذ التعصب ))))))))))))

وأخيرا أشكر المشرف الذي فتح لي المجال للتحدث عن هذه الشخصية التي غفلت عنها كتب التراجم كغيره من الرجال العظام ...

والسلام مسك الختام..........

بحر المكارم
19-09-2005, 11:48 AM
((((((((((((( الربيع بن حبيب ومسنده ))))))))))))))))

هو الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي، ويلقب بأبي عمرو البصري وهو ثالث أئمة العلم عند الإباضية يقول عنه الشماخي في
السير (طود المذهب الأشم، وبحر العلم الخضم).

مولده ونشأته
ولد في منطقة الباطنة في عُمان في النصف الثاني من القرن الأول الهجري ما بين سنتي 75-80 هـ . نشأ في عُمان وبها أمضى طفولته ثم سافر إلى البصرة التي كانت تغص بالعلماء في ذلك الحين وبها أخذ علوم التفسير والحديث والفقه وبرع فيها حتى صار من العلماء المعدودين في البصرة ، وبذلك استحق أن يخلف شيخه أبا عبيدة في رئاسة الدعوة الإباضية في البصرة.

شيوخه
من أهم شيوخه الإمام أبو عبيدة مسلم وهو أكثر من لازمه وروى عنه، وقد ذكر بعض المؤرخين أنه أدرك الإمام جابرا وهو شاب وأخذ عنه العلم كما تلقى العلم عن ضمام بن السائب وأبي نوح صالح الدهان. فقد ورد عنه قوله: أخذت الفقه من ثلاثة: أبي عبيدة، وأبي نوح، وضمام. وبالإضافة إلى هؤلاء فقد تتلمذ على كثير من التابعين الذي عاشوا في تلك الفترة أمثال: قتادة وعمرو بن هرم وحماد بن سلمة وغيرهم.

وقد رأى الربيع في أول عهده بالبصرة ما لاقاه جابر بن زيد وتلاميذه وأتباعه وغيرهم من العلماء: كالحسن البصري ،والشعبي وسعيد بن جبير، من عنت الحجاج بن يوسف الثقفي وجبروته وقسوة أعوانه وشدتهم، ما ملأ نفسه كراهية لأولئك الحكام المستبدين، إلا أنه سلك طريق شيخيه أبي الشعثاء وأبي عبيدة في تجنب أي احتكاك بالسلطة طيلة تلقيه الدراسة، إذ أنّ كل المصادر التي تحدثت عنه لم تُشر إلى اضطهاده أو إصابته بأذى، مما جعله يتفرغ إلى تحصيل العلم حتى صار علما من أعلام الفكر وراوية من رواة السّنة، وعاملا من علماء الفقه مما جعل أبا عبيدة يقول عنه " فقيهنا وإمامنا وتقينا وأميننا وثقتنا"[1].

تلاميذه
أخذ عن الإمام الربيع جماعة من الطلبة لعل أشهرهم ما أطلق عليهم حملة العلم إلى المشرق: منهم المؤرخ المشهور محبوب بن الرحيل، وموسى بن أبي جابر الأزكوي، والشيخ بشير بن المنذر، وأبو صفرة عبد الملك بن أبي صفرة، ومنير بن النير الجعلاني، ومحمد بن المعلى الكندي، وأبو أيوب وائل بن أيوب الحضرمي، وهاشم بن غيلان ، وغيرهم كثير.

مكانته الاجتماعية والعلمية
المصادر القليلة التي تناولت حياة الربيع بن حبيب تجمع على أنه كان يتمتع بمكانة مرموقة ومنزلة عالية في الأوساط الإباضية في المشرق والمغرب. وقد نال تلك المنزلة بما حباه الله تعالى به من الورع والتقوى والعلم والعمل لما فيه خير المسلمين ويدل على ذلك ما يلي:

1 – قال أناس من أهل البصرة انظروا لنا رجلا ورعا قريب الإسناد حتى نكتب عنه فنظروا فلم يجدوا غير الربيع بن حبيب.

2 – عندما مرض شيخه أبو عبيدة بعثه مع وفد الحج مكانه.

3- لما وقع الخلاف بين الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم والذين أنكروا إمامته رضي الفريقان الربيع بن حبيب حكما بينهما فكتبوا إليه وكتب إليهم بالرد.

آثاره
من آثار الإمام الربيع مجموعة من الأقوال والفتاوى والفقه متناثرة في كتب الإباضية ومن آثاره المجموعة: كتاب "آثار الربيع" الذي رواه عن شيخه ضمام بن السائب عن جابر بن زيد مقطوعا وهو عبارة عن مجموعة فتاوى للإمام جابر بن زيد. وقد قام بجمعها أبو صفرة عبد الملك بن صفرة. وهذا الكتاب لا زال مخطوطا[2].

ومن أهم آثاره كتاب "المسند" ويطلق عليه الإباضية "الجامع الصحيح"، وهو مطبوع ومتداول.

كان المسند في أول أمره مخطوطا, ولم يكن مرتبا أو مصنفا على نحو موضوعي، وإنما كان مرتبا على طريقة المسانيد حتى جاء أبو يعقوب يوسف الوارجلاني (من وارجلان بالجزائر) فأعاد ترتيب الأحاديث على نحو موضوعي على طريقة الجوامع فقام بجمع الأحاديث على حسب أبواب الفقه المعروفة على النحو الذي وصل إلينا. والمسند المتداول اليوم مقسم إلى أربعة أجزاء. الجزءان الأول والثاني هما أصل الكتاب وفيهما 750 حديث تقريبا. أما الجزءان الثالث والرابع فقد ضمهما إلى المسند الأصلي المرتب أبو يعقوب الوارجلاني. فمما جاء في الجزء الثالث آثار احتج بها الربيع على مخالفيه في مسائل مختلفة من الاعتقاد وغيرها. وعدد هذه الآثار مائة وأربعون (140). وأما الجزء الرابع فيشمل روايات محبوب بن الرحيل القرشي عن الربيع بن حبيب وروايات الإمام أفلح بن عبد الوهاب الرستمي عن أبي غانم بشر بن غانم الخراساني ومراسيل جابر بن زيد. وعدد هذه الروايات مائة وثلاثة وعشرون (123)[3]. وقد قام الأستاذ محمد إدريس بتخريج أحاديثه ومقارنتها بما ورد في كتب السنة الأخرى. وللمسند عدة شروح أهمها وأحدثها شرح الشيخ عبد الله السالمي رحمه الله وهو من علماء عُمان ( المتوفى سنة 1332 هـ/1914م).

مكانة مسند الربيع بين كتب الحديث
يرى الإباضية أن مسند الربيع بن حبيب من أصح كتب الحديث سندا لأن معظم الأحاديث رواها الإمام الربيع عن شيخه أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أحد الصحابة، وقد وردت في المسند بعض الأحاديث التي رواها أبوعبيدة عن آخرين غير جابر إلا أنها قليلة.

وقد ذكر أئمة الحديث أن رُتَبَ الحديث الصحيح تتفاوت ,فالمرتبة العليا ما أطلق عليه بعض رجال الحديث بأن أصح الأسانيد هي الأسانيد الثلاثية كسند الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن الرسول (صلى الله عليه وسلم )، وسند إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود عن الرسول (صلى الله عليه وسلم )، وسند مالك عن نافع عن ابن عمر عن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) لأن هذه الأسانيد قصيرة السند واشتهر رجالها بقوة الحفظ والضبط وكمال الصدق والأمانة.

وإذا تتبعنا الأحاديث التي رواها الربيع في الجزء الأول والثاني في المسند لوجدنا أن معظمها ثلاثية السند ورجالها من أوثق الرجال وأحفظهم وأصدقهم. فالأحاديث الثلاثية التي في المسند رواها الإمام الربيع أغلبها عن أبي عبيدة عن جابر عن أحد الصحابة عن النبي (صلى الله عليه وسلم ). ومن هذا يعتبر الإباضية أن الأحاديث الواردة في الجزأين الأول والثاني من المسند هي من أصح الأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) ويعتبرونها أعلى درجة من الأحاديث التي رواها الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله.

ورغم أن الأحاديث التي في المسند ثلاثية ورجالها مشهورون بالثقة، والحفظ والضبط وأن أغلب الأحاديث مروية في كتب السنة الأخرى إلا أننا لا نجد لهذا الكتاب ذكرا عند أكثر المهتمين بعلوم الحديث – لا في القديم ولا في الحديث - بل إن من المهتمين بعلوم الحديث من لم يسمع عنه مطلقا.

فجمهور علماء الأمة الذين اهتموا بتتبع أحوال رواة الحديث واقتفاء آثارهم جرحا وتعديلا قد أهملوا أو أغفلوا ذكر الربيع بن حبيب في كتب الجرح والتعديل عدا ما قاله يحيى بن معين في كتابه "التاريخ" حيث قال: (الربيع بن حبيب يروي عن الحسن وابن سيرين وهو ثقة)[4]. وعدا بعض من ذكره من أئمة الحديث كالإمام أحمد والبخاري.

وقد سئل أستاذ معاصر يحمل شهادة الدكتوراه في علوم الحديث عن مسند الربيع بن حبيب فكان رده: سمعت عنه ولم أره. وسئل آخر وهو رئيس قسم التفسير والحديث في إحدى الجامعات المعتبرة عن الربيع ومسنده فأجاب: من الربيع وما مسند الربيع؟.

وبقدر ما نتأسف عند سماع ردود كهذه من رجال كرسوا حياتهم ودراستهم لعلم الحديث، إلا أنه قد نلتمس العذر لبعضهم، لأنه لم تتيسر لهم ظروفهم للإطلاع على فكر الإباضية. ثم إن التعتيم السياسي والتاريخي على مدى أكثر من ألف قرن كان له بالغ الأثر في صد المثقفين والباحثين عن الإطلاع على فكر الإباضية عموما. ولا بد أن نسجل هنا أن الإباضية أنفسهم قد قصروا في نشر فكرهم،والتعريف بمذهبهم في القديم والحديث إلا ما رأيناه في السنوات الأخيرة من طباعة بعض كتب الإباضية وما قامت به وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عُمان من طباعة بعض أمهات الكتب عند الإباضية. ونحن نطمح أن يكون نشر آثار الإباضية دافعا لعلماء ومفكري الأمة الإسلامية للتعرف على فقه المذهب الإباضي ووضعه في مكانه الصحيح من أجل توحيد صفوف المسلمين ولمّ شعثهم في عصرٍ هُم أحوج ما يكونون فيه إلى وحدة صفوفهم لصد الطغيان المتربص بهم في الداخل والخارج.

ورغم وجود هذه الكتب إلا أننا نذكر بكل أسف أنه يوجد من الباحثين والمفكرين والفقهاء المعاصرين من يعرف عن الإباضية تاريخا وفكرا وعقيدة ومع ذلك يحاول - عن قصد أو غير قصد - تهميش الفكر الإباضي والتعتيم عليه والرد عليه بطريقة غير موضوعية ولا علمية. ولا ندرى سبب ذلك في هذا العصر الذي نتوقع فيه توفر الأمانة العلمية والنقاش العلمي المتزن والتفتح الفكري والعقلي.

ولا ننكر وجود بعض الأسباب التاريخية التي من أجلها لم يُعرف الإمام الربيع بين المحدثين من أهل السّنة و لم يعرف كتابه ضمن كتب الحديث رغم أنه من أوائل كتب الحديث التي صُنّفت ومن هذه الأسباب:

·اعتبار الإباضية إحدى فرق الخوارج المبتدعة الضالة مما أدى إلى تجنب المحدثين الرواية عنه لأنهم اشترطوا فيمن يؤخذ عنه الحديث ألا يكون مبتدعا وداعيا لبدعته.
·عزلة فرضها الإمام الربيع على نفسه بإغلاق الباب في وجوه طلبة العلم من غير أصحابه.
·قلة مصادر تاريخ الإباضية بذهاب كثير منها نتيجة التعصب والظلم والحسد وحرق المكتبات.

·ظلم الولاة والحكام الذين تسلطوا على الأمة الإسلامية في العصور الأولى وسياستهم الجائرة التي طاردت كل من رفع صوته يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكرّهوا الأمة فيمن يقول بجواز الخروج على الحاكم ووصفوه بالخروج من الدين.
·انحسار الإباضية في مناطق بعيدة عن مراكز السياسة.
وفاته
توفي الإمام الربيع ما بين سنة 171 و180 هجرية ودفن في عمان، وقد صلى عليه تلميذه موسى بن أبي جابر الأزكوي. وبذلك يكون قد عاش أكثر من تسعين عاما قضاها في التربية ونشر العلم وقيادة الدعوة التي رسم منهجها الإمام جابر والإمام أبو عبيدة رحمهم الله جميعا.




--------------------------------------------------------------------------------


[1]الربيع بن حبيب محدثا وفقيها – عمرو بن مسعود الكاباوي

[2]توجد نسخة في المكتبة البارونية بجربة.

[3]الربيع بن حبيب محدثا وفقيها – عمرو بن مسعود الكاباوي

[4]الربيع بن حبيب محدثا وفقيها – عمرو بن مسعود الكاباوي

&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

وأرجو من الجميع العذر على الكلام الحادي بعض الشي لأنه لا يعقل أن نظلم إنسانا ونضعه في غير موضعه ...
يقول الشاعر :
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ** ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
والسلام مسك الختام

أبو سارة
22-09-2005, 11:26 PM
طيب يا أستاذ بحر المكارم
أكرمنا الله وإياك بطاعته
أشكرك على هذه الإتحافات النادرة
وبالنسبة لهذا الموضوع ،فالذي ظهر لي بعد محاولة اطلاعي على موضوع هذا المسند ، أن كثير من المتون الواردة فيه لها أصل في كتب المحدثين ،إلا أنه يتضمن أسانيد منقطعة لايعتد بها عند أهل الصناعة الحديثية.
وأول شرح لهذا المسند ينسب إلى رجل اسمه: محمد ابن أبي ستة ت 1078هـ وهو من كبارعلماء جربة، وشرح السالمي الذي ذكرتَه هو الشرح الثاني ، وليس قبلهما شرح لهذا المسند ،و الوارجلاني الذي اشرتَ إليه ت 570هـ هو من قام بجمع وترتيب هذا المسند ، ويروى أنه اضاف إليه أحاديث وروايات كان قد احتج بها ابن الربيع على خصومه .
ولكني إلى الآن بحاجة إلى تعليل عدم ذكر هذا المسند أو الإشارة إليه في كتب التراجم وعلماء الحديث ورجال الحديث.
أخي الفاضل
يوجد على الشبكة "ملتقى أهل الحديث" وهو منتدى متخصص بعلم الحديث ومايتصل به من علوم ، فما رأيك حفظك الله لو عرضنا هذا الأمر عليهم واستفدنا من علمهم؟

بحر المكارم
25-09-2005, 12:52 PM
من حقك أن تعجب أخي وخاصة أن صاحب المسند قريب العهد ببيئة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فلماذا كتب التراجم تغافلته بل أنا كذلك أعجب أشد العجب من ذلك .
هل أولئك العلماء الأفذاذ لا علم لهم بهذه الشخصية ؟ أم أن وراء هذا أسباب لا نعلمها ؟
وما تلك التعليلات التي أوردتها إلا مجرد أحسان الظن بهم.

أبو سارة
25-09-2005, 08:14 PM
الأستاذ بحر المكارم سلمه الله
إليك هذا الرابط وأرجو أن تنظر إليه بعين المحقق المريد والطالب للحقيقة ،إذ به تحقيقات علمية رصينة وإحالات موثقة .
مناظرة حول مسند الربيع بن حبيب الفراهيدي وحقيقة شخصيته (http://www.alabadyah.com/mn1.htm)

أسأل الله أن يوفقنا وإياك إلى مايحبه ويرضاه

بحر المكارم
27-09-2005, 11:57 AM
بارك الله فيك هكذا المسلم عليه أن يدقق بنفسه عن كل أمر يصاحبه الشك حتى يكون على وعي ودراية وأن لا يتعصب لتلك الشخصية التي من مذهبه فنحن مع الحق نقبله من أي شخص بالحجج الدامغة والقول الصائب ..

فمعذرة أخي المشرف الرابط معطل فأرجو إعادته من جديد حتى يتسنى لي الاطلاع على تلك الردود وأبين أنا كذلك وجهتي فأنا لي شخصية تميزني عن الآخرحتى لا نقع في التقليد الأعمى ..

والله الموفق للخير..