عفت بركات
09-06-2004, 10:04 PM
* فصل 2 / 2 . .
أسبوع مضى ولم أخطو عتبة فصلى . . . توحشتنى المقاعد الخشنة الممتزجة بلهو أقلام الصغار ، وخطوطهم المتعرجة ، والنوافذ التى تحطم زجاجها من عبث أطفال الشارع ، وتصحيح الكراسات الذى يستنفذ صبرى - الأوسع من رمال البحر المتوسط -
فطول اليوم تتقاذفنى الرغبة فى الانتهاء من مشاحناتى مع التلاميذ ؛ لأستعيد ترتيب نفسى من الصداع اليومى !!
- - - - - - - - - -
كان مؤتمرا مرهقا . . وحافلا بالمناقشات والحوارات الساخنة ،ولم يكن من السهل أن أتخلى عنه وأنا من المنظمين له والمشرفين عليه ،
حينما أخبرت التلاميذ بغيابى عنهم أسبوعا كاملا . . . تضايقوا ،
أدمعت عيناه . . . وصرخ مقاطعا إياىّ " لأ " . . . قاذفا بكلتا يديه كتبه وأدواته ؛ فارتطمت ببلاط الفصل منكمشة . . . حزينة لسخطه الذى صبه فوقها فأرداها عارية مبعثرة ،
لم أجد تفسيرا لحظتها لغضبه غير المعتاد ، كنت إذا سافرت من قبل يبكى بعض الوقت . . . ثم يهدأ إلى أن أعود ، ويتسع له صدرى . . . فيرتمى بشوارعه الممتدة الغارقة فى العطاء . . . ويمتزج بأنفاسى معوضا ما فاته من الدفء الذى فقده بغيابى عن المكان . . وعنه !! تعلقت به عيون التلاميذ . . . فانصرف يعدو لآخر الفناء وظل يبكى !!
لم تجد توسلاتهم له بالدخول إلى الفصل رغم المطر المنهمر فوقه ، ذهبت إليه آخر الأمر . . . فدس رأسه بين يديه وركبتيه الصغيرتين وانكمش يعلن احتجاجه علىّ ، استحلفته ألا يغضب لغيابى وألا ينسى أن يأخذ الدواء فى موعده حتى أعود . . . فلم ينظر نحوى !!
أحسست بضعفى أمامه فوقفت على قدمىّ وهممت بالانصراف . . . وصلتنى صرخته المكتومة ، فاستدرت إليه ، كان يتعارك مع أزرار قميصه . . . يستجدى بعض الهواء محاولا التنفس بكل ما فيه من أمل للحياة ، جريت أفك له أزرار القميص الذى كاد يتمزق من ثورة أنامله الرقيقة . . . حملته إلى داخل الفصل وأنا ألهث ، ارتطمت فى طريقى بسربٍ من التلاميذ الذين انزعجوا لأجله فتكدسوا حولى . . . ولعنت العجلة التى صدمتنى بأصيص الزرع الذى كان يحرص على رعايته والعناية به ، شهقت شهقة مكتومة وانقبض قلبى المتخم بحمل هذا الفصل حينما انكسر الأصيص وتساقطت أوراق النبات دامعة وعارية من الدفء فهمهمت : فأل سئ ،
وضعته بحجر المنضدة ذات الثقب الكبير . . . ورحت أفتش عن حقيبته التى تقاذفها التلاميذ كباقى الحقائب أثناء تغيبى فلم أجدها . . . صاح أحدهم وسط سيل لعناتى المنهمر فوقهم :
- تحت الدرج يا معلمة . .تحت الدرج . . .
بجنون لم أعهده رحت أفتش فيها عن دواء القلب ، حتى يمنحه بعضا من العمر المراوغ له بين أزمة وأخرى وأنا ألعن هذا المرض وصياح التلاميذ . بعد دقائق لم أحسبها . . .
وجدته يبتسم فى وجهى حينما لمح الوجع يتساقط على وجنتى الملتهبتين ؛ فنهض ببطىء واحتضننى حضنا أدفئنى فى هذا اليوم القاسى البرودة .رحت أتحسس هذا العناق الغريب وعندما أفقت من احتضانه لىّ اختطف قبلة رقيقة وقال :
- ح توحشينى قوى . . . . يا ترى ح أشوفك تانى ؟!
اندهشت لسؤاله ومضيت . . . . عند باب الفصل استدرت له
- إنت كمان ح توحشنى !!
مضيت يطاردنى دفء عناقه لىّ بطول الممر حتى انحدرت إلى أسفل الدرج الرخامى المختلط بأنفاس الصغار وشقاوتهم !
أسبوعا بأكمله . . . . ولم تمتزج صباحاتى بدفء ملامحه !!
أشعر بحاجتى إلى عناقه ودموعه التى ستبللنى وهو يقول :
- وحشتينى . . .
كان الطريق طويلا على غير عادته . . . أرهقتنى فيه الأمنيات حتى بلغت باب المدرسة ،
انتبهت إلى صوت المدير :
- حمد الله على السلامة .
رددت التحية وأنا أصعد الدرج قفزا ، تدفعنى الرغبة فى احتضان حوائط الفصل الأربعة ، وأدراجه ، ونوافذه . . . لا شك أن ابتسامتى وعناقى له سيشفى قلبه الصغير ويعوضه غيابى الذى آلمه .
صعدت السلم . . . ورحت أحلق فوق الممر كفراشات " يوليو " ،
كان الباب مغلقا . . . لا صوت يوحى بمرح التلاميذ ، طرقته طرقتين علَّ أحد المدرسين بالداخل ؛ فانفتح دون عناء . . . دهشت لصمت التلاميذ . . . ولت شقاوتهم وقذفهم الحقائب ورطيط الأقلام على النوافذ والأدراج وصوت الغناء الذى لم ينقطع من قبل فى ترحيبهم بالزائرين ،
ارتجفت ابتسامتى وانكسرت فوق الدمع الذى بلل وجوههم . . .
لمحوا اندهاشى يكسونى باستفهامٍ رمادى ؛ فاتجهوا جميعا بأعينهم نحو مقعده الخالى ولفظوا فى صوتٍ واحد . . . . . .
أسبوع مضى ولم أخطو عتبة فصلى . . . توحشتنى المقاعد الخشنة الممتزجة بلهو أقلام الصغار ، وخطوطهم المتعرجة ، والنوافذ التى تحطم زجاجها من عبث أطفال الشارع ، وتصحيح الكراسات الذى يستنفذ صبرى - الأوسع من رمال البحر المتوسط -
فطول اليوم تتقاذفنى الرغبة فى الانتهاء من مشاحناتى مع التلاميذ ؛ لأستعيد ترتيب نفسى من الصداع اليومى !!
- - - - - - - - - -
كان مؤتمرا مرهقا . . وحافلا بالمناقشات والحوارات الساخنة ،ولم يكن من السهل أن أتخلى عنه وأنا من المنظمين له والمشرفين عليه ،
حينما أخبرت التلاميذ بغيابى عنهم أسبوعا كاملا . . . تضايقوا ،
أدمعت عيناه . . . وصرخ مقاطعا إياىّ " لأ " . . . قاذفا بكلتا يديه كتبه وأدواته ؛ فارتطمت ببلاط الفصل منكمشة . . . حزينة لسخطه الذى صبه فوقها فأرداها عارية مبعثرة ،
لم أجد تفسيرا لحظتها لغضبه غير المعتاد ، كنت إذا سافرت من قبل يبكى بعض الوقت . . . ثم يهدأ إلى أن أعود ، ويتسع له صدرى . . . فيرتمى بشوارعه الممتدة الغارقة فى العطاء . . . ويمتزج بأنفاسى معوضا ما فاته من الدفء الذى فقده بغيابى عن المكان . . وعنه !! تعلقت به عيون التلاميذ . . . فانصرف يعدو لآخر الفناء وظل يبكى !!
لم تجد توسلاتهم له بالدخول إلى الفصل رغم المطر المنهمر فوقه ، ذهبت إليه آخر الأمر . . . فدس رأسه بين يديه وركبتيه الصغيرتين وانكمش يعلن احتجاجه علىّ ، استحلفته ألا يغضب لغيابى وألا ينسى أن يأخذ الدواء فى موعده حتى أعود . . . فلم ينظر نحوى !!
أحسست بضعفى أمامه فوقفت على قدمىّ وهممت بالانصراف . . . وصلتنى صرخته المكتومة ، فاستدرت إليه ، كان يتعارك مع أزرار قميصه . . . يستجدى بعض الهواء محاولا التنفس بكل ما فيه من أمل للحياة ، جريت أفك له أزرار القميص الذى كاد يتمزق من ثورة أنامله الرقيقة . . . حملته إلى داخل الفصل وأنا ألهث ، ارتطمت فى طريقى بسربٍ من التلاميذ الذين انزعجوا لأجله فتكدسوا حولى . . . ولعنت العجلة التى صدمتنى بأصيص الزرع الذى كان يحرص على رعايته والعناية به ، شهقت شهقة مكتومة وانقبض قلبى المتخم بحمل هذا الفصل حينما انكسر الأصيص وتساقطت أوراق النبات دامعة وعارية من الدفء فهمهمت : فأل سئ ،
وضعته بحجر المنضدة ذات الثقب الكبير . . . ورحت أفتش عن حقيبته التى تقاذفها التلاميذ كباقى الحقائب أثناء تغيبى فلم أجدها . . . صاح أحدهم وسط سيل لعناتى المنهمر فوقهم :
- تحت الدرج يا معلمة . .تحت الدرج . . .
بجنون لم أعهده رحت أفتش فيها عن دواء القلب ، حتى يمنحه بعضا من العمر المراوغ له بين أزمة وأخرى وأنا ألعن هذا المرض وصياح التلاميذ . بعد دقائق لم أحسبها . . .
وجدته يبتسم فى وجهى حينما لمح الوجع يتساقط على وجنتى الملتهبتين ؛ فنهض ببطىء واحتضننى حضنا أدفئنى فى هذا اليوم القاسى البرودة .رحت أتحسس هذا العناق الغريب وعندما أفقت من احتضانه لىّ اختطف قبلة رقيقة وقال :
- ح توحشينى قوى . . . . يا ترى ح أشوفك تانى ؟!
اندهشت لسؤاله ومضيت . . . . عند باب الفصل استدرت له
- إنت كمان ح توحشنى !!
مضيت يطاردنى دفء عناقه لىّ بطول الممر حتى انحدرت إلى أسفل الدرج الرخامى المختلط بأنفاس الصغار وشقاوتهم !
أسبوعا بأكمله . . . . ولم تمتزج صباحاتى بدفء ملامحه !!
أشعر بحاجتى إلى عناقه ودموعه التى ستبللنى وهو يقول :
- وحشتينى . . .
كان الطريق طويلا على غير عادته . . . أرهقتنى فيه الأمنيات حتى بلغت باب المدرسة ،
انتبهت إلى صوت المدير :
- حمد الله على السلامة .
رددت التحية وأنا أصعد الدرج قفزا ، تدفعنى الرغبة فى احتضان حوائط الفصل الأربعة ، وأدراجه ، ونوافذه . . . لا شك أن ابتسامتى وعناقى له سيشفى قلبه الصغير ويعوضه غيابى الذى آلمه .
صعدت السلم . . . ورحت أحلق فوق الممر كفراشات " يوليو " ،
كان الباب مغلقا . . . لا صوت يوحى بمرح التلاميذ ، طرقته طرقتين علَّ أحد المدرسين بالداخل ؛ فانفتح دون عناء . . . دهشت لصمت التلاميذ . . . ولت شقاوتهم وقذفهم الحقائب ورطيط الأقلام على النوافذ والأدراج وصوت الغناء الذى لم ينقطع من قبل فى ترحيبهم بالزائرين ،
ارتجفت ابتسامتى وانكسرت فوق الدمع الذى بلل وجوههم . . .
لمحوا اندهاشى يكسونى باستفهامٍ رمادى ؛ فاتجهوا جميعا بأعينهم نحو مقعده الخالى ولفظوا فى صوتٍ واحد . . . . . .