اعرض النسخة الكاملة : مـــع الظـــلال
أنــوار الأمــل
14-10-2002, 12:59 AM
ما رأيكم يا أهل الفصيح أن نطالع معا كتاب
في ظــلال القـرآن الكريــم (http://www.ikhwan-info.net/thelal.asp?step1=step1&ne=0)
ثم لنقم بنقل فقرات صغيرة منه إلى المنتدى
تحت هذا الموضوع نفسه
وإن كان لأحد تعليق أو إضافة يتفضل بها
لنكون كأننا جميعا نطالعه معا في مجلس من مجالس الذكر
أنــوار الأمــل
14-10-2002, 01:08 AM
ها أنا أبدأ بما اقترحته عليكم
سأنقل لكم هذه الفقرة من تفسير قوله تعال: " مالك يوم الدين"
إنها تعجبني كثيرا، وأحب أن أقرأها مرارا
-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0
والاعتقاد بيوم الدين كلية من كليات العقيدة الإسلامية ذات قيمة في تعليق أنظار البشر وقلوبهم بعالم آخر بعد عالم الأرض ; فلا تستبد بهم ضرورات الأرض ... وعندئذ يملكون الاستعلاء على هذه الضرورات .
ولا يستبد بهم القلق على تحقيق جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود , وفي مجال الأرض المحصور ... وعندئذ يملكون العمل لوجه الله وانتظار الجزاء حيث يقدره الله , في الأرض أو في الدار الآخرة سواء , في طمأنينة لله , وفي ثقة بالخير , وفي إصرار على الحق , وفي سعة وسماحة ويقين ...
ومن ثم فإن هذه الكلية تعد مفرق الطريق بين العبودية للنزوات والرغائب , والطلاقة الإنسانية اللائقة ببني الإنسان .. بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها والتعلق بالقيم الربانية والاستعلاء على منطق الجاهلية .. مفرق الطريق بين الإنسانية في حقيقتها العليا التي أرادها الله الرب لعباده , والصور المشوهة المنحرفة التي لم يقدر لها الكمال .
الجهني
14-10-2002, 01:56 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
أختي الفاضلة أنوار الأمل حفظك الله ورعاك .
أرجو مراجعة الرابط التالي : وتذكري أختي أن الرجال تعرف بالحق ولايعرف الحق بالرجال.
http://www.saaid.net/Doat/ehsan/74.htm
والله من وراء القصد
الجهني
14-10-2002, 02:20 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
الأخت الفاضلة : أنوار الأمل .
أرجو مراجعة الرابط التالي بهدوء وروية.
http://albeed.com/vb/showthread.php?threadid=61362
والله من وراء القصد
د.محمد الرحيلي
14-10-2002, 10:16 AM
أشكر الأخت أنوار على هذا الاقتراح الجيد .
وبالنسبة لأخينا وحبيبنا الجهني :
اطلعت على الروابط التي وضعتها ، وجزاك الله خيراً عليها ، لكن ....
لكن لي ملاحظة ، وهي :
إنّ الأخت أنوار الأمل ـ فيما يبدو لي ـ لاتريد منا أن نأخذ تفسير القرآن من الظلال ، وإنما تريد أن نقف مع إشراقاته البلاغية والأدبية ، وننتقي من كتابه ما يفيد ونترك مالا نريد ، ثم هي قالت بالحرف الواحد :
ثم لنقم بنقل فقرات صغيرة منه إلى المنتدى
وإن كان لأحد تعليق أو إضافة يتفضل بها
لنكون كأننا جميعا نطالعه معا في مجلس من مجالس الذكر
وأظن أنّ كلامها واضح ، لذلك أدعو الأخت أنوار للاستمرار ،
والأخ الجهني بالمتابعة والتنبيه .
وللجميع كل الحب والتقدير .
الجهني
14-10-2002, 01:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
الإخوة الأفاضل في منتدانا العزيز حفظكم الله ورعاكم من كل خطأ وزلل.
إخوتي الأفاضل يكفينا ماجنيناه من مشاكل ومصائب نتيجة تعلقنا
بالاشخاص والرموز . صدقوني أيها الإخوة إن أغلب مايعاني منه شبابنا
في وقتنا الحاضر تعلقهم بأشخاص خرجوا عن الطريق الصحيح للدعوة
الاسلامية. أيها الإخوة الأفاضل الحذر الحذر فديننا نقي طاهر وصاف
لانريد أن يعكره معكر ، أليس في كتبنا الاسلامية الصافية منهجا وعقيدة
ملاذا يغنينا عن كتب لاتسمن ولاتغني من جوع.
إخوتي أناشد أخوتكم الاسلامية أن تتركونا من هذه الكتب التي ملئت
بالأهواء .
أختي الفاضلة : أنوار الأمل أناشد فيك غيرتك على الاسلام ياابنة
الإمارات الأبية. طالما طالعت موضوعاتك بالشوق والمحبة فلا تحرميني
من هذا الشوق .
والله من وراء القصد
القلم الإسلامي
16-10-2002, 08:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الكرام ..
رغم احترامي لرأي الأخ الكريم ( الجهني ) ، ولكن يجب أن نكون عادلين دوماً ، فلا نسلب شخصاً كل شيء لمجرد زلّة ، ولا نعطي شخصاً كل شيء لمجرد حسنة ! .
قرأت ما في الرابط الذي أدرجه ، وصدمت حقاً !
إن كنت تعارضون سيد قطب - رحمه الله - و تحذرون لهذه الدرجة من قراءة كتابه لأنه أضاف - كما تقولون - في الإسلام ما ليس فيه ، فقل لي ؛
(( حقوق الطبع محفوظة لكل سلفي ))
هل هذا من الإسلام في شيء ؟!؟!؟
أوليس الإسلام هو الذي أزال الفوارق هذه والعنصرية ؟!
أوليس هو موحّدنا على أساس واحد فقط ( الإسلام ) ؟!
أوليس الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل ( أشققت عن قلبه ) ؟!؟!
و أخيراً .. أوليس النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو القائل ( من كفّر مسلماً فقد كفر ) ؟!
وقد كفّره بعضهم في الرابط الذي أدرجته .. !
أخي الكريم ..
سيد قطب - رحمه الله وطيب ثراه - لم يقل أنه كتب تفسيراً .. لقد بيّن أشياء غامضة عن أعين الكثير في ثنايا الإعجاز القرآني الذي يتناول كل صغيرة وكبيرة ، فلا يتوقف عند بوتقة الماضي و ما اكتشفه الأقدمون ..
الإعجاز باقٍ ما شاء الله ، ولكلّ وجهة نظره الخاصة كما يراها هو .
ثم .. مهما كان ، فلكلّ إنسان هفوات و زلاّت
أرني كتاباً - غير القرآن الكريم - خالياً تماماً من أي خطأ ؟!
لابدّ أن نكون منصفين ، و أن نأخذ الصحيح من الكتاب ، ونترك ما يخالف الدين - إن كان هناك أصلاً شيء من هذا ! - .. ونبيّن الأخطاء بإسلوب مهذب ، مع عدم بخس الكتاب كله خيرَه .
تحياتي .. وربما لي عودة : صاحبة القلم الإسلامي ،،،
أنــوار الأمــل
16-10-2002, 01:08 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتذر إخواني عن التأخر في الرد، فقد انشغلت قليلا، كما كنت قد بدأت كتابة موضوعات وأحببت أن أكملها أولا
مشرفنا الجديد عاشق الفصحى.. أشكر لك ردك الحكيم... لكن محدثك عنيد :)
أخي الجهني... أقدر كثيرا حرصك على الدين نظيفا خاليا من الشوائب.. وأعلم أن ما تفضلت به نابع من غيرتك على دينك وحبك له وميلك لكل ما هو نقي طاهر
ولكن أخي .. أرجو أن تسمع مني هذه الكلمات
إننا أخي الكريم لسنا بالمنغلقين الجامدين المتعصبين.. بل نحن نأخذ ما كان جيدا حتى وإن كان من أعدائنا.. انظر ألا نأخذ من الغرب الكافر مخترعاته؟ ألا نأخذ منه بعض علومه التي تأسست عندنا؟ ألم نترجم كثيرا من كتبه خاصة في مجال الأدب ،وتسنمت تلك المترجمات ذرا أدبنا مع أنه زاخر بكل جميل؟ ألم يكن هذا التأثر قديما منذ العصور الأولى؟
ولكن لو تأملنا جيدا فهل سلم كل ما جاؤوا به وكان نقيا خالصا؟
مرادي ياأخي أن أقول إننا نأخذ الطيب ونذر الخبيث، نبحث عن الخير بحثا، ونترك الفاسد.. هذا حالنا مع أصدقائنا وأعدائنا .. حالنا مع المسلمين ومع الكافرين
أليس نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو القائل: الحكمة ضالة المؤمن ، أينما وجدها فهو أحق بها... أو كما قال عليه الصلاة والسلام
ومن سيد قطب؟ إنه مسلم جهر بالتوحيد، ونادى إلى تحكيم منهج الله في عصر حورب فيه الإسلام وأهله..وهو إنسان يخطئ ويصيب
من الناس من يشتد خطؤه لكنه يبقى طي الكتمان وينال بين الناس حسن الصيت وعالي السمعة وباطنه سيء خبيث، ومنهم من يخطئ فتظهر أخطاؤه، وقد يعود ذلك إلى نوعية الخطأ نفسه
المهم أن سيدا بشر، وقد أخطأ .. لا ننكر ذلك
ولكن خطأه ذاك يجب ألا يمنعنا عن قراءة كتبه وأخذ ما ينفع منها
ثم ماذا سنأخذ منه؟ هل هو مفت أو قاض أو فقيه؟ لا يا أخي .. نعلم أن الظلال هو كما قال أخونا ليس تفسيرا بمعنى التفسير الذي نعرفه، قد يصنف ضمن التفسير بالرأي وهذا فعله وصنف فيه كبار علمائنا، ولكنه يظل كتابا جيدا مهما كان فيه من أخطاء، إن أردنا التفسير فنحن نعود إلى كتب أخرى لا شك، ويبقى هذا لمرحلة متأخرة
ترى .. هل قرأت شيئا منه يا أخي؟
أنا شخصيا كنت أسمع عن سيد قطب رحمه الله، وأسمع ثناء الناس عليه، ولكن لا شأن لي به ولا أعرف عنه شيئا،،،،، إلى أن حصلت على الظلال، قرأت منه ـ ولا أدعي أني قرأت الكثير ـ فلم أجد هوى يتبعه إلا هوى الإسلام، وشعرت أنه يحملني إلى آفاق أوسع وأجواء أكثر إيمانية ... شعرت أنني بالفعل أعيش مع القرآن وأتفيأ ظلاله الممتدة إلى بعيد ... إنه كتاب يستحق اسمه بالفعل ... ( واقرأ الفقرة السابقة التي نقلتها ) ... إنه كتاب صيغ بقلم كاتب أديب ونبض عاشق لهذا الدين، فاجتمعت الحسنيان، زل القلم مرة، وزاغ الفكر أخرى .. ولكن هذا لا يعني أن نلغي من ثقافتنا مثل هذا الكتاب.. إنه كما قال أخي عاشق الفصحى (إشراقات)
ثم هل أفهم من كلامك أخي أنه ما دام قد أخطأ، وما دام قد قيل فيه شيء فإن علي أن أحذف موضوعي هذا أو أن أمتنع عن الاقتباس من الكتاب ؟
أما الحذف فهو بيدك إن أردت، أما الاقتباس من الكتاب فلا أظن أحدا سيستجيب إما لما تقدم من كلامك وكلامي وإما لأمر آخر يجعل الأعضاء يحجمون عن المشاركة وكنت أظنهم مشاركين بفعالية كما في موضوعات سابقة لي
ثم هل نمتنع عن القراءة له كليا؟
ألم تقل يا أخي وما أصدق المقولة: الحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال تعرف بالحق؟
فهل لأننا عرفنا أن سيدا فيه كذا وكذا فإننا نهمل كل ما كتب؟ ألا ترى أخي أن في هذا مخالفة وتناقضا مع العبارة الرائعة تلك؟ الحق يقول أن نقرأ له فما وافقنا أخذناه وما لم يوافقنا تركناه وحذرنا منه .. من الجزئية تلك لا من المؤلفات عامة.. وإن قال فيه أحد نثق به قولا فلا نأخذه على إطلاقه لأن الحق لا يعرف بالرجال، وكلنا خطاؤون، ولكن ليس فينا نحن المسلمين ـ من هو خطأ خالص مجسم
ثم إننا في منتدى الكتاب ومعظمنا من المتخصصين ويمكننا أن نعرض فقرات من الكتاب كما قلتُ، ونقوم بنقدها وتوضيح مكامن الخطأ فيها، أليس هذا أجدى لنا وللأمة من أن ندفن رؤوسنا ونمتنع عن النظر فيما كتب؟
لقد كنت أعرف ما قيل عنه، وقرأت بعضه فإذا بي أرتجف هلعا من هوله، وأتساءل : هل قال ذلك فعلا؟ فلما ينقلون من كلامه ما يقولون إنه يوحي بذاك أجده عاريا من كل ما قالوه.. أين ما استنتجوه من كلامه الحقيقي؟ لا أدري حتى ما الذي أوحى لهم به
نعم .. أعرف ما قيل عنه، وبعضه حق، وأعرف أن الموضوع إن لقي إقبالا فقد يُنقل بعض ما فيه نظر، لذلك قلت ولَمَح ذلك أخي عاشق الفصحى: ومن كان لديه إضافة أو تعليق فليتفضل
لأن الحق أحق أن يتبع، وما كان خطأ فواجبنا التنبيه عليه، ولكن كل شيء بقدره.. لا نعمم الخطأ.. ولا نطعن في الرجل.. ولا نحذر منه بشكل يوحي بأنه .. لا أعرف ما اللفظ المناسب لشعور الإنسان عندما يسمع مثل ذلك التحذير؟
ثم إنه كما وجد من حذر منه واتهمه فقد وجد من مدحه وأنكر أخطاءه المفردة في الوقت نفسه، وأولئك أيضا من كبار العلماء
إليك أخي هذا الرابط لترى بعض أقوال العلماء فيه، لقد حصلت عليه قبل يومين ووجدته موافقا في مجمله لرأيي عن الأستاذ سيد قطب، وسترى وثيقة بخط يد أخيه يؤكد فيها أن سيدا رحمه الله نهى الناس عن قراءة كتابه : العدالة الاجتماعية، وهو الكتاب الذي حوى معظم أخطائه، وقد ألفه في مفتتح حياته، ونهيه يؤكد تراجعه عما كتبه فيه
http://www.sahwah.net/Nuke/sections.php?op=listarticles&secid=18
أخي ناشدتني بالإسلام،وأُعْظم فيك ذاك، وقد استشرت روح الإسلام فقالت لي : إن الإسلام أخوة وترابط، وتنبيه على الخطأ والزلل، وأخذ بيد المخطئ نحو الخير، والتماس لسبعين عذرا، وقصر للخطأ في موضعه ولا يسلم أحد منه، فلا يعمم، ولا يُنفر من مسلم يعلن التوحيد ويدعو لتحكيم شرع الله، وإن الله صاحب الخلق قد منح كلا شيئا من علمه وفتحه وإن كان كافرا، وأن المسلم لا يأنف من أخذ الخير من أي كان، ونبذ الشر من أي كان، وإنه تعالى آتانا عقولا وحثنا على البحث والتعرف بأنفسنا وعلينا أن نفعل ذاك مستهدين بهدي علماء الأمة العظام
هذا .. وأدعو الله بالمغفرة له ولنا أجمعين، وأن يبصرنا بالحق، ويؤلف قلوبنا عليه، ويحمينا من الزلل، ويغفر لنا ما وقعنا فيه .. إنه ولي ذلك وهو وحده القادر عليه
أنــوار الأمــل
16-10-2002, 01:12 PM
أخي لقد تفضلت بقول هذه العبارة:
طالما طالعت موضوعاتك بالشوق والمحبة فلا تحرميني من هذا الشوق .
أخي لماذا كنت تطالع موضوعاتي ؟
إنه واحد من اثنين: إما أن ذلك بسبب شخص هذه الأنوار وأربأ بنفسك وبي أن يكون الأمر هكذا
وإما لأن موضوعاتي كانت تعجبك، فكنت تتوقع المزيد مما هو مناسب ويستحق القراءة وهذا ما أتمناه
إذن لماذا ستتوقف عن المطالعة بذلك الشوق؟
هل أنت على ثقة أن موضوعاتي القادمة ستكون سيئة؟ هل لأنني خالفتك في أمر؟ وهل يمكن أن يجتمع البشر أجمعين على أمر؟ وإن خالفني أحدهم فهل أتركه تماما؟
أخي الكريم إن كان معظم الناس يفعل ذلك فليس هذا من شيم الملتزمين العقلاء الواعين.. أليس كذلك؟ يكفي أنه يوحي للآخرين أن ذلك الشخص سيخطئ دوما.. وفي هذا ما فيه
ثم إنه يعني أننا صرنا نعرف الحق بالرجال، ومادام أولئك الرجال هم (أنوار) التي أخطأت فلنتركها وموضوعاتها.. هذا ما أوحاه لي تعليقك الأخير يا أخي .. وأتمنى أن أكون على خطأ
محمد التويجري
16-10-2002, 04:19 PM
خذوا ثماره وألقوا بالنوى
أبو حسن الشامي
19-05-2003, 04:06 PM
الأخوة في الله
أعلم أن الموضوع قديم، لكنني مشترك جديد، وأعجبتني فكرة هذا الموضوع، فأحببت لو نمضي فيه ..
الأخت أنوار الأمل .. أفكارك واضحة وردودك عقلانية وسليمة ومنهجك وسطي
خير ما نستهل به هذا الموضوع هو إيراد مقدمة كتاب في ظلال القرآن، والتي سبق طبعها منفردة في كتيّب، ليقف القارئ اللبيب على مقصد الأستاذ سيد قطب رحمه الله من كتابه الظلال
وبإمكان أي أخ عنده تنبيه أو اعتراض على ما ينقل من كتاب الظلال أن يورد اعتراضه وتنبيهه، وسيرانا بإذن الله ندور مع الحق حيث دار
نبقى الآن مع المقدمة :
أبو حسن الشامي
19-05-2003, 04:08 PM
الحياة في ظلال القرآن نعمة . نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها . نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه.
والحمد لله . . لقد منَّ علي بالحياة في ظلال القرآن فترة من الزمان ، ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط في حياتي . ذقت فيها هذه النعمة التي ترفع العمر وتباركه وتزكيه .
لقد عشت أسمع الله - سبحانه - يتحدث إلي بهذا القرآن . . أنا العبد القليل الصغير . . أي تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل ؟ أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل ؟ أي مقام كريم يتفضل به على الإنسان خالقه الكريم ؟
وعشت - في ظلال القرآن - أنظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض ، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة . . أنظر إلى تعاجب أهل هذه الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال ، وتصورات الأطفال ، واهتمامات الأطفال . . كما ينظر الكبير إلى عبث الأطفال ، ومحاولات الأطفال . ولثغة الأطفال . . وأعجب . . ما بال هذا الناس ؟! ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة ، ولا يسمعون النداء العلوي الجليل . النداء الذي يرفع العمر ويباركه ويزكيه ؟
عشت أتملى - في ظلال القرآن - ذلك التصور الكلامل الشامل الرفيع النظيف للوجود . . لغاية الوجود كله ، وغاية الوجود الإنساني . . وأقيس إليه تصورات الجاهلية التي تعيش فيها البشرية ، في شرق وغرب ، وفي شمال وجنوب . . وأسأل . . كيف تعيش البشرية في المستنقع الآسن ، وفي الدرك الهابط ، وفي الظلام البهيم وعندها ذلك المرتع الزكي ، وذلك المرتقى العالي ، وذلك النور الوضيء ؟
وعشت - في ظلال القرآن - أحس التناسق الجميل بين حركة الإنسان كما يريدها الله ، وحركة هذا الكون الذي أبدعه الله . . ثم أنظر . . فأرى التخبط الذي تعانيه البشرية في انحرافها عن السنن الكونية ، والتصادم بين التعاليم الفاسدة الشريرة التي تملى عليها وبين فطرتها التي فطرها الله عليها . وأقول في نفسي:أي شيطان لئيم هذا الذي يقود خطاها إلى هذا الجحيم ؟ يا حسرة على العباد !!!
وعشت - في ظلال القرآن - أرى الوجود أكبر بكثير من ظاهره المشهود . . أكبر في حقيقته ، وأكبر في تعدد جوانبه . . إنه عالم الغيب والشهادة لا عالم الشهادة وحده . وإنه الدنيا والآخرة ، لا هذه الدنيا وحدها . . والنشأة الإنسانية ممتدة في شعاب هذا المدى المتطاول كله إنما هو قسط من ذلك النصيب . وما يفوته هنا من الجزاء لا يفوته هناك . فلا ظلم ولا بخس ولا ضياع . على أن المرحلة التي يقطعها على ظهر هذا الكوكب إنما هي رحلة في كون حي مأنوس ، وعالم صديق ودود . كون ذي روح تتلقى وتستجيب ، وتتجه إلى الخالق الواحد الذي تتجه إليه روح المؤمن في خشوع: ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال . . تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده . . أي راحة ، وأي سعة وأي أنس ، وأي ثقة يفيضها على القلب هذا التصور الشامل الكامل الفسيح الصحيح ؟
وعشت - في ظلال القرآن - أرى الإنسان أكرم بكثير من كل تقدير عرفته البشرية من قبل للإنسان ومن بعد . . إنه إنسان بنفخة من روح الله: فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . . وهو بهذه النفخة مستخلف في الأرض: وإذ قال ربك للملائكة:إني جاعل في الأرض خليفة . . ومسخر له كل ما في الأرض: وسخر لكم ما في الأرض جميعا . . ولأن الإنسان بهذا القدر من الكرامة والسمو جعل الله الآصرة التي يتجمع عليها البشر هي الآصرة المستمدة من النفخة الإلهية الكريمة . جعلها آصرة العقيدة في الله . . فعقيدة المؤمن هي وطنه ، وهي قومه ، وهي أهله . . ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها ، لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع وسياج ! . .
والمؤمن ذو نسب عريق ، ضارب في شعاب الزمان . إنه واحد من ذلك الموكب الكريم ، الذي يقود خطاه ذلك الرهط الكريم:نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ويعقوب ويوسف ، وموسى وعيسى ، ومحمد . . عليهم الصلاة والسلام . . وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون . .
هذا الموكب الكريم ، الممتد في شعاب الزمان من قديم ، يواجه - كما يتجلى في ظلال القرآن - مواقف متشابهة ، وأزمات متشابهة ، وتجارب متشابهة على تطاول العصور وكر الدهور ، وتغير المكان ، وتعدد الأقوام . يواجه الضلال والعمى والطغيان والهوى ، والاضطهاد والبغي ، والتهديد والتشريد . ولكنه يمضي في طريقه ثابت الخطو ، مطمئن الضمير ، واثقا من نصر الله ، متعلقا بالرجاء فيه ، متوقعا في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد: وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا . فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ، ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد . . موقف واحد وتجربة واحدة . وتهديد واحد . ويقين واحد . ووعد واحد للموكب الكريم . . وعاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف . وهم يتلقون الاضطهاد والتهديد والوعيد . .
أبو حسن الشامي
19-05-2003, 04:12 PM
وفي ظلال القرآن تعلمت أنه لا مكان في هذا الوجود للمصادفة العمياء ، ولا للفلتة العارضة: إنا كل شيء خلقناه بقدر . . وخلق كل شيء فقدره تقديرا . . وكل أمر لحكمة . ولكن حكمة الغيب العميقة قد لا تتكشف للنظرة الإنسانية القصيرة: فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا . . وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم . والله يعلم وأنتم لا تعلمون . . والأسباب التي تعارف عليها الناس قد تتبعها آثارها وقد لا تتبعها ، والمقدمات التي يراها الناس حتمية قد تعقبها نتائجها وقد لا تعقبها . ذلك أنه ليست الأسباب والمقدمات هي التي تنشئ الآثار والنتائج ، وإنما هي الإرادة الطليقة التي تنشئ الآثار والنتائج كما تنشئ الأسباب والمقدمات سواء: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا . . وما تشاءون إلا أن يشاء الله . . والمؤمن يأخذ بالأسباب لأنه مأمور بالأخذ بها . والله هو الذي يقدر آثارها ونتائجها . . والاطمئنان إلى رحمة الله وعدله وإلى حكمته وعلمه هو وحده الملاذ الأمين ، والنجوة من الهواجس والوساوس: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ، والله واسع عليم . .
ومن ثم عشت - في ظلال القرآن - هادئ النفس ، مطمئن السريرة ، قرير الضمير . . عشت أرى يد الله في كل حادث وفي كل أمر . عشت في كنف الله وفي رعايته . عشت أستشعر إيجابية صفاته تعالى وفاعليتها . . أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؟ . . وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير . . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . . واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه . . فعال لما يريد . . ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه . إن الله بالغ أمره . . ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها . . أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه . . ومن يهن الله فما له من مكرم . . ومن يضلل الله فما له من هاد . . إن الوجود ليس متروكا لقوانين آلية صماء عمياء . فهناك دائما وراء السنن الإرادة المدبرة ، والمشيئة المطلقة . . والله يخلق ما يشاء ويختار . كذلك تعلمت أن يد الله تعمل . ولكنها تعمل بطريقتها الخاصة ؛ وأنه ليس لنا أن نستعجلها ؛ ولا أن نقترح على الله شيئا . فالمنهج الإلهي - كما يبدو في ظلال القرآن - موضوع ليعمل في كل بيئة ، وفي كل مرحلة من مراحل النشأة الإنسانية ، وفي كل حالة من حالات النفس البشرية الواحدة . . وهو موضوع لهذا الإنسان الذي يعيش في هذه الأرض ، آخذ في الاعتبار فطرة هذا الإنسان وطاقاته واستعداداته ، وقوته وضعفه ، وحالاته المتغيرة التي تعتريه . . إن ظنه لا يسوء بهذا الكائن فيحتقر دوره في الأرض ، أو يهدر قيمته في صورة من صور حياته ، سواء وهو فرد أو وهو عضو في جماعة . كذلك هو لا يهيم مع الخيال فيرفع هذا الكائن فوق قدره وفوق طاقته وفوق مهمته التي أنشأه الله لها يوم أنشأه . . ولا يفترض في كلتا الحالتين أن مقومات فطرته سطحية تنشأ بقانون أو تكشط بجرة قلم ! . . الإنسان هو هذا الكائن بعينه . بفطرته وميوله واستعداداته يأخذ المنهج الإلهي بيده ليرتفع به إلى أقصى درجات الكمال المقدر له بحسب تكوينه ووظيفته ، ويحترم ذاته وفطرته ومقوماته ، وهو يقوده في طريق الكمال الصاعد إلى الله . . ومن ثم فإن المنهج الإلهي موضوع للمدى الطويل - الذي يعلمه خالق هذا الإنسان ومنزل هذا القرآن - ومن ثم لم يكن معتسفا ولا عجولا في تحقيق غاياته العليا من هذا المنهج . إن المدى أمامه ممتد فسيح ، لا يحده عمر فرد ، ولا تستحثه رغبة فان ، يخشى أن يعجله الموت عنتحقيق غايته البعيدة ؛ كما يقع لأصحاب المذاهب الأرضية الذين يعتسفون الأمر كله في جيل واحد ، ويتخطون الفطرة المتزنة الخطى لأنهم لا يصبرون على الخطو المتزن ! وفي الطريق العسوف التي يسلكونها تقوم المجازر ، وتسيل الدماء ، وتتحطم القيم ، وتضطرب الأمور . ثم يتحطمون هم في النهاية وتتحطم مذاهبهم المصطنعة تحت مطارق الفطرة التي لا تصمد لها المذاهب المعتسفة ! فأما الإسلام فيسير هينا لينا مع الفطرة ، يدفعها من هنا ، ويردعها من هناك ، ويقومها حين تميل ، ولكنه لا يكسرها ولا يحطمها . إنه يصبر عليها صبر العارف البصير الواثق من الغاية المرسومة . . والذي لا يتم في هذه الجولة يتم في الجولة الثانية أو الثالثة أو العاشرة أو المائة أو الألف . . فالزمن ممتد ، والغاية واضحة ، والطريق إلى الهدف الكبير طويل ، وكما تنبت الشجرة الباسقة وتضرب بجذورها في التربة ، وتتطاول فروعها وتتشابك . . كذلك ينبت الإسلام ويمتد في بطء وعلى هينة وفي طمأنينة . ثم يكون دائما ما يريده الله أن يكون . . والزرعة قد تسقى عليها الرمال ، وقد يأكل بعضها الدود ، وقد يحرقها الظمأ . وقد يغرقها الري . ولكن الزارع البصير يعلم أنها زرعة للبقاء والنماء ، وأنها ستغالب الآفات كلها على المدى الطويل ؛ فلا يعتسف ولا يقلق ، ولا يحاول إنضاجها بغير وسائل الفطرة الهادئة المتزنة ، السمحة الودود . . إنه المنهج الإلهي في الوجود كله . . ولن تجد لسنة الله تبديلا . .
والحق في منهج الله أصيل في بناء هذا الوجود . ليس فلتة عابرة ، ولا مصادفة غبر مقصودة . . إن الله سبحانه هو الحق . ومن وجوده تعالى يستمد كل موجود وجوده: ذلك بأن الله هو الحق ، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ، وأن الله هو العلي الكبير . . وقد خلق الله هذا الكون بالحق لا يتلبس بخلقه الباطل: ما خلق الله ذلك إلا بالحق . . ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك ! والحق هو قوام هذا الوجود فإذا حاد عنه فسد وهلك: ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن . . ومن ثم فلا بد للحق أن يظهر ، ولا بد للباطل أن يزهق . . ومهما تكن الظواهر غير هذا فإن مصيرها إلى تكشف صريح: بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق . .
والخير والصلاح والإحسان أصيلة كالحق ، باقية بقاءه في الأرض: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ، فاحتمل السيل زبدا رابيا ، ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع ، زبد مثله . كذلك يضرب الله الحق والباطل . فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض . كذلك يضرب الله الأمثال . . . ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون . ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار . يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء . .
أي طمأنينة ينشئها هذا التصور ؟ وأي سكينة يفيضها على القلب ؟ وأي ثقة في الحق والخير والصلاح ؟ وأي قوة واستعلاء على الواقع الصغير يسكبها في الضمير ؟
أبو حسن الشامي
19-05-2003, 04:15 PM
من فترة الحياة - في ظلال القرآن - إلى يقين جازم حاسم . . إنه لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة ، ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة . . إلا بالرجوع إلى الله . .
والرجوع إلى الله - كما يتجلى في ظلال القرآن - له صورة واحدة وطريق واحد . . واحد لا سواه . . إنه العودة بالحياة كلها إلى منهج الله الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم . . إنه تحكيم هذا الكتاب وحده في حياتها . والتحاكم إليه وحده في شؤونها . وإلا فهو الفساد في الأرض ، والشقاوة للناس ، والارتكاس في الحمأة ، والجاهلية التي تعبد الهوى من دون الله: فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم . ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ؟ إن الله لا يهدي القوم الظالمين . .
إن الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلة ولا تطوعا ولا موضع اختيار ، إنما هو الإيمان . . أو . . فلا إيمان . . وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم . . ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون . إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ، والله ولي المتقين . .
والأمر إذن جد . . إنه أمر العقيدة من أساسها . . ثم هو أمر سعادة هذه البشرية أو شقائها . .
إن هذه البشرية - وهي من صنع الله - لا تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله ؛ ولا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يخرج من يده - سبحانه - وقد جعل في منهجه وحده مفاتيح كل مغلق ، وشفاء كل داء: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين . . إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم . . ولكن هذه البشرية لا تريد أن ترد القفل إلى صانعه ، ولا أن تذهب بالمريض إلى مبدعه ، ولا تسلك في أمر نفسها ، وفي أمر إنسانيتها ، وفي أمر سعادتها أو شقوتها . . ما تعودت أن تسلكه في أمر الأجهزة والآلات المادية الزهيدة التي تستخدمها في حاجاتها اليومية الصغيرة . . وهي تعلم أنها تستدعي لإصلاح الجهاز مهندس المصنع الذي صنع الجهاز . ولكنها لا تطبق هذه القاعدة على الإنسان نفسه ، فترده إلى المصنع الذي منه خرج ، ولا أن تستفتي المبدع الذي أنشأ هذا الجهاز العجيب ، الجهاز الإنساني العظيم الكريم الدقيق اللطيف ، الذي لا يعلم مساربه ومداخله إلا الذي أبدعه وأنشأه: إنه عليم بذات الصدور . ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ؟ . .
ومن هنا جاءت الشقوة للبشرية الضالة . البشرية المسكينة الحائرة ، البشرية التي لن تجد الرشد ، ولن تجد الهدى ، ولن تجد الراحة ، ولن تجد السعادة ، إلا حين ترد الفطرة البشرية إلى صانعها الكبير ، كما ترد الجهاز الزهيد إلى صانعه الصغير !
ولقد كانت تنحية الإسلام عن قيادة البشرية حدثا هائلا في تاريخها ، ونكبة قاصمة في حياتها ، نكبة لم تعرف لها البشرية نظيرا في كل ما ألم بها من نكبات . .
لقد كان الإسلام قد تسلم القيادة بعد ما فسدت الأرض ، وأسنت الحياة ، وتعفنت القيادات ، وذاقت البشرية الويلات من القيادات المتعفنة ؛ و ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس . .
تسلم الإسلام القيادة بهذا القرآن ، وبالتصور الجديد الذي جاء به القرآن ، وبالشريعة المستمدة من هذا التصور . . فكان ذلك مولدا جديدا للإنسان أعظم في حقيقته من المولد الذي كانت به نشأته . لقد أنشأ هذا القرآن للبشرية تصورا جديدا عن الوجود والحياة والقيم والنظم ؛ كما حقق لها واقعا اجتماعيا فريدا ، كان يعز على خيالها تصوره مجرد تصور ، قبل أن ينشئه لها القرآن إنشاء . . نعم ! لقد كان هذا الواقع من النظافة والجمال ، والعظمة والارتفاع ، والبساطة واليسر ، والواقعية والإيجابية ، والتوازن والتناسق . . . بحيث لا يخطر للبشرية على بال ، لولا أن الله أراده لها ، وحققه في حياتها . . في ظلال القرآن ، ومنهج القرآن ، وشريعة القرآن .
ثم وقعت تلك النكبة القاصمة . ونحي الإسلام عن القيادة . نحي عنها لتتولاها الجاهلية مرة أخرى ، في صورة من صورها الكثيرة . صورة التفكير المادي الذي تتعاجب به البشرية اليوم ، كما يتعاجب الأطفال بالثوب المبرقش واللعبة الزاهية الألوان !
إن هناك عصابة من المضللين الخادعين أعداء البشرية . يضعون لها المنهج الإلهي في كفة والإبداع الإنساني في عالم المادة في الكفة الأخرى ؛ ثم يقولون لها:اختاري !!! اختاري إما المنهج الإلهي في الحياة والتخلي عن كل ما أبدعته يد الإنسان في عالم المادة ، وإما الأخذ بثمار المعرفة الإنسانية والتخلي عن منهج الله !!! وهذا خداع لئيم خبيث . فوضع المسألة ليس هكذا أبدا . . إن المنهج الإلهي ليس عدوا للإبداع الإنساني . إنما هو منشئ لهذا الإبداع وموجه له الوجهة الصحيحة . . ذلك كي ينهض الإنسان بمقام الخلافة في الأرض . هذا المقام الذي منحه الله له ، وأقدره عليه ، ووهبه من الطاقات المكنونة ما يكافئ الواجب المفروض عليه فيه ؛ وسخر له من القوانين الكونية ما يعينه على تحقيقه ؛ ونسق بين تكوينه وتكوين هذا الكون ليملك الحياة والعمل والإبداع . . على أن يكون الإبداع نفسه عبادة لله ، ووسيلة من وسائل شكره على آلائه العظام ، والتقيد بشرطه في عقد الخلافة ؛ وهو أن يعمل ويتحرك في نطاق ما يرضي الله . فأما أولئك الذين يضعون المنهج الإلهي في كفة ، والإبداع الإنساني في عالم المادة في الكفة الأخرى . . فهم سيئو النية ، شريرون ، يطاردون البشرية المتعبة الحائرة كلما تعبت من التيه والحيرة والضلال ، وهمت أن تسمع لصوت الحادي الناصح ، وأن تؤوب من المتاهة المهلكة وأن تطمئن إلى كنف الله . . .
وهنالك آخرون لا ينقصهم حسن النية ؛ ولكن ينقصهم الوعي الشامل ، والإدراك العميق . . هؤلاء يبهرهم ما كشفه الإنسان من القوى والقوانين الطبيعية ، وتروعهم انتصارات الإنسان في عالم المادة . فيفصل ذلك البهر وهذه الروعة في شعورهم بين القوى الطبيعية والقيم الإيمانية ، وعملها وأثرها الواقعي في الكون وفي واقع الحياة ؛ ويجعلون للقوانين الطبيعية مجالا ، وللقيم الإيمانية مجالا آخر ؛ ويحسبون أن القوانين الطبيعية تسير في طريقها غير متأثرة بالقيم الإيمانية ، وتعطي نتائجها سواء آمن الناس أم كفروا . اتبعوا منهج الله أم خالفوا عنه . حكموا بشريعة الله أم بأهواء الناس !
هذا وهم . . إنه فصل بين نوعين من السنن الإلهية هما في حقيقتهما غير منفصلين . فهذه القيم الإيمانية هي بعض سنن الله في الكون كالقوانين الطبيعية سواء بسواء . ونتائجها مرتبطة ومتداخلة ؛ ولا مبرر للفصل بينهما في حس المؤمن وفي تصوره . . وهذا هو التصور الصحيح الذي ينشئه القرآن في النفس حين تعيش في ظلال القرآن . ينشئه وهو يتحدث عن أهل الكتب السابقة وانحرافهم عنها وأثر هذا الانحراف في نهاية المطاف: ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم . ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم . وينشئه وهو يتحدث عن وعد نوح لقومه: فقلت:استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويمددكم بأموال وبنين ، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا . . وينشئه وهو يربط بين الواقع النفسي للناس والواقع الخارجي الذي يفعله الله بهم إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . .
إن الإيمان بالله ، وعبادته على استقامة ، وإقرار شريعته في الأرض . . . كلها إنفاذ لسنن الله . وهي سنن ذات فاعلية إيجابية ، نابعة من ذات المنبع الذي تنبثق منه سائر السنن الكونية التي نرى آثارها الواقعية بالحس والاختبار .
ولقد تأخذنا في بعض الأحيان مظاهر خادعة لافتراق السنن الكونية ، حين نرى أن اتباع القوانين الطبيعية يؤدي إلى النجاح مع مخالفة القيم الإيمانية . . هذا الافتراق قد لا تظهر نتائجه في أول الطريق ؛ ولكنها تظهر حتما في نهايته . . وهذا ما وقع للمجتمع الإسلامي نفسه . لقد بدأ خط صعوده من نقطة التقاء القوانين الطبيعية في حياته مع القيم الإيمانية . وبدأ خط هبوطه من نقطة افتراقهما . وظل يهبط ويهبط كلما انفرجت زاوية الافتراق حتى وصل إلى الحضيض عندما أهمل السنن الطبيعية والقيم الإيمانية جميعا . .
وفي الطرف الآخر تقف الحضارة المادية اليوم . تقف كالطائر الذي يرف بجناح واحد جبار ، بينما جناحه الآخر مهيض ، فيرتقي في الإبداع المادي بقدر ما يرتكس في المعنى الإنساني . ويعاني من القلق والحيرة والأمراض النفسية والعصبية ما يصرخ منه العقلاء هناك . . لولا أنهم لا يهتدون إلى منهج الله وهو وحده العلاج والدواء .
إن شريعة الله للناس هي طرف من قانونه الكلي في الكون . فإنفاذ هذه الشريعة لا بد أن يكون له أثر إيجابي في التنسيق بين سيرة الناس وسيرة الكون . . والشريعة إن هي إلا ثمرة الإيمان لا تقوم وحدها بغير أصلها الكبير . فهي موضوعة لتنفذ في مجتمع مسلم ، كما أنها موضوعة لتساهم في بناء المجتمع المسلم . وهي متكاملة مع التصور الإسلامي كله للوجود الكبير وللوجود الإنساني ، ومع ما ينشئه هذا التصور من تقوى في الضمير ، ونظافة في الشعور ، وضخامة في الاهتمامات ، ورفعة في الخلق ، واستقامة في السلوك . . . وهكذا يبدو التكامل والتناسق بين سنن الله كلها سواء ما نسميه القوانين الطبيعية وما نسميه القيم الإيمانية . . فكلها أطراف من سنة الله الشاملة لهذا الوجود .
والإنسان كذلك قوة من قوى الوجود . وعمله وإرادته ، وإيمانه وصلاحه ، وعبادتهونشاطه . . . . هي كذلك قوى ذات آثار إيجابية في هذا الوجود وهي مرتبطة بسنة الله الشاملة للوجود . . وكلها تعمل متناسقة ، وتعطي ثمارها كاملة حين تتجمع وتتناسق ، بينما تفسد آثارها وتضطرب وتفسد الحياة معها ، وتنتشر الشقوة بين الناس والتعاسة حين تفترق وتتصادم: ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . . فالارتباط قائم وثيق بين عمل الإنسان وشعوره وبين ماجريات الأحداث في نطاق السنة الإلهية الشاملة للجميع . ولا يوحي بتمزيق هذا الارتباط ، ولا يدعو إلى الإخلال بهذا التناسق ، ولا يحول بين الناس وسنة الله الجارية ، إلا عدو للبشرية يطاردها دون الهدى ؛ وينبغي لها أن تطارده ، وتقصيه من طريقها إلى ربها الكريم . .
هذه بعض الخواطر والانطباعات من فترة الحياة في ظلال القرآن . لعل الله ينفع بها ويهدي . وما تشاءون إلا أن يشاء الله . .
د.محمد الرحيلي
27-05-2003, 04:36 PM
أهلا بك أخي الكريم أبو حسن الشامي
وهنيئاً لنا بك
وأنا معك في فتح باب الإفادة والحوار حول هذا الموضوع
وكلنا نسعى للحق ولا شيء سواه
أكرر دعوة أستاذنا القاسم
خذ الثمر وألقي النوى
أنــوار الأمــل
09-06-2003, 03:28 AM
الأستاذ الفاضل (أبو حسن الشامي)
أهلا بك أخا في الله وزميل علم نافع بإذن الله
أشكر لك إعادة هذا الموضوع من جديد
وأسأل الله أن يثيبك بما هو أهله
والشكر موصول لأستاذنا عاشق الفصحى على حرصه على الحق فجزاه الله كل خير
لقد تفضلت أستاذي الفاضل بإيراد المقدمة لكتاب الظلال وهي تبين بحق كيف كان هذا الرجل ذو المبادئ الثابتة ، وتبين هدفه وفكره وقناعته وإيمانه وعقيدته
إنه من الداعين إلى تحكيم منهج الله وشرعه في الأرض .. وفي الحكم .. في كل شيء
ولعل هذا من أكبر أسباب المعارضة له ودس التحذيرات منه وتضخيم أخطائه التي تراجع عنها مقدما أفضل مثال للمسلم الذي يتراجع عما قال أو فعل حين يعلم أنه كان خطأ ولا يستحيي من ذلك ولا تغره مكانته أو شهرته ليمتنع عن الحق الذي أيقن به
ثم يتلقى الغيورون تلك التحذيرات فينفرون من قراءة كتبه أو التعرف إلى فكره فيحققون من حيث لا يشعرون مراد عدو الله وعدوهم ممن يريد إقصاء منهج الله عن حكم الحياة
وإنه القائل إن أفكارنا تبقى جمادا لا حياة بها فإن رويناها بالدماء أثمرت ـ نقلت المعنى حسبما أتذكره ـ ولقد قالها قولا بلسانه وقدمها على أرض الواقع بدمائه
فلم تكن دعوته لتحكيم شرع الله كلاما مجردا أو شيئا سهلا عنده يمكن أن يتنازل عنه تحت أي ضغط من أي كان، فثبت ولم يداهن أو يتنازل عن كلمة الحق التي ذاقها وعرف حلاوتها وأيقن بشقاء البشرية دون تطبيقها ولم يكن قوالا فقط
**وهذا كلام الشيخ مناع القطان في الأستاذ سيد قطب وتفسيره:
والكتاب تفسير كامل للحياة في ضوء القرآن وهَدي الإسلام
عاش مؤلفه في ظلال الذكر الحكيم كما يفهم من تسميته يتذوق حلاوة القرآن ويعبر عن مشاعره تعبيرا صادقا انتهى فيه إلى أن الإنسانية اليوم في شقائها بالمذاهب الهدامة وصراعها الدامي من حين لآخر لا خلاص لها إلا بالإسلام
...
...
وعلق الكاتب في النهاية: وهو بحق ثروة فكرية اجماعية هائلة لا يستغني عنها المسلم المعاصر
مباحث في علوم القرآن: 384 ـ 385
*****
ولنتأمل مرة أخرى هذه الكلمات
النص الأصلي مرسل من قبل أبو حسن الشامي
وانتهيت من فترة الحياة - في ظلال القرآن - إلى يقين جازم حاسم . . إنه لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة ، ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة . . إلا بالرجوع إلى الله . .
والرجوع إلى الله - كما يتجلى في ظلال القرآن - له صورة واحدة وطريق واحد . . واحد لا سواه . . إنه العودة بالحياة كلها إلى منهج الله الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم . . إنه تحكيم هذا الكتاب وحده في حياتها . والتحاكم إليه وحده في شؤونها . وإلا فهو الفساد في الأرض ، والشقاوة للناس ، والارتكاس في الحمأة ، والجاهلية التي تعبد الهوى من دون الله: فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم . ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ؟ إن الله لا يهدي القوم الظالمين . .
إن الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلة ولا تطوعا ولا موضع اختيار ، إنما هو الإيمان . . أو . . فلا إيمان . . وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم . . ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون . إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ، والله ولي المتقين . .
والأمر إذن جد . . إنه أمر العقيدة من أساسها . . ثم هو أمر سعادة هذه البشرية أو شقائها . .
أبو حسن الشامي
29-06-2003, 10:05 AM
الأخ عاشق الفصحى والأخت أنوار الأمل الفاضلين
بارك الله في تعليقكما على ما نقلت، وشكر خاص للأخت أنوار الأمل على ما ذكرته، مع تنبيهها لعدم استخدام صفة "أستاذ" قبل ذكر اسمي، فإن الأخوة في الله تكفينا وتشرفنا، إضافة لكوني في منتدى الفصيح أحس نفسي وكأني ما زلت تلميذا أمام الأساتذة الذين فيه وعلى رأسهم الأخت الفاضلة أنوار الأمل
سأكمل بإذن الله ما بدأته في هذا الموضوع من خلال إيراد تفسير آيات معينة من الظلال، لكن ما يؤخرني هو رغبتي في انتقاء هذه الأيات بدقة وتأن ..
vBulletin® v4.2.2, Copyright ©2000-2023, Jelsoft Enterprises Ltd. تعريب شَبَكةُ الفَصِيحِ لِعُلُومِ اللُّغةِ العَرَبِيّةِ