المساعد الشخصي الرقمي

اعرض النسخة الكاملة : الاستعمال اللغوي وعلم المخاطب في كتاب سيبويه



أحمد محمد عبد المنعم عطية
28-04-2011, 12:55 AM
الاستعمالُ اللغوي و علمُ المُخاطـَب
في كتاب سيبويه

الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين خير صلاة و أزكى سلام و بعد ،،،
فعند اطلاعي على ذلك الكنز النفيس ارتأى لي ملمح من ملامح النظرية اللغوية عند سيبويه يتمحور في ثلاثة أبعاد :
1 - علم المخاطب ( و يتصل به المجاز و المحال ) .
2 - إمكانات التكوين الجملي ( حذف ، ذكر ، تقديم ، تأخير ) .
3 - المنهج السماعي .
هذه الأبعاد الثلاثة لم تكن مأخوذة كلا ً منها بمعزل عن الأخر ، و إنما كانت ممتزجة متشابكة كالنسيج الواحد ، و هذا يتوافق و طبيعة الصناعة اللغوية ، و يعلل في الوقت نفسه صعوبة اكتشاف هذه النظرية النحوية عند العرب .
و لا شك أن تشكيل هذه النظرية كان له روافد مختلفة قد تتمثل في :
1. المنطق الصوري .
2. أصول الفقه .
3. القراءات القرآنية .

1 - علم المخاطب ( 1 ) :
و يمكن القول إن اللغة في حد ذاتها قائمة على علم المخاطب إذ إنني أوقن بأن حياة اللغة في الاستعمال اللغوي لا في مجرد الوصف مما يجعل هذا التقرير ينجذب وبشدة لسـاحة الـتداولـية ( 2 ) إذ إنها من أعمق المباحث التي تناولت اللغة من حيث الاستعمال فركزت على أربعة أبعاد في الاستعمال اللغوي وهي :
( الإشاريات الخطابية - الاستلزام الحواري - الافتراض السابق -أفعال الكلام )
ويلعب علم المخاطب الدور الأعظم في هذه الأبعاد الأربعة .
أما بالنسبة لعلم المخاطب عند سيبويه في كتابه فقد ظهر باطراد كبير في ثنايا تناوله للدروس النحوية والصرفية وما داخلها من دروس صوتية ؛ مما يبرهن على عمق النظرية اللغوية عند سيبويه و فهمه الدقيق لطبيعة الوجود اللغوي و إن لم يصرح بذلك.

2 - المجاز و المحال في ضوء علم المخاطب:
يرتبط موضوعا المجاز والمحال ارتباطا ًو ثيقا ًبعلم المخاطب خاصة عندما نسلط الضوء على مستوى الأداء اللغوي من حيث الصحة و الجمال .
ولقد أفرد سيبويه بابا ًمستقلا ًللمجاز والمحال فرَّق فيه بينهما تفرقة مردها لعلم المخاطب و إن لم يصرح بذلك.
و لكن هذا الباب يمثل حجر زاوية في مستوى الأداء اللغوي من حيث الصحة والجمال إذ إنه من المدهش أننا عندما نقرأ القرآن الكريم نتعرض للكثير من المجازات التي يقبلها المخاطب دون أي اضطراب في سير الفهم ، بل إننا في حياتنا العادية نستخدم الكثير من المجازات بـ" اللغة العامية " و نتعامل معها دون دهشة أو اضطراب ، فقط يضيف البعد المجازي قوة تأثيرية عن الاستعمال المباشر .
ولكن للمجاز مستويات تتباين بقدرة المتلقي على الفهم و مدى تأثره به مما يردنا للمقولة الشهيرة " لكل مقام مقال " .


( 1 ) التعريف و التنكير - الأستاذ الدكتور محمود أحمد نحله .
( 2 ) آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر - الأستاذ الدكتور محمود أحمد نحله .

إذن متى يكون الاستعمال اللغوي محالا ً؟
إذا كانت الإضافة تجوز في اللغة لأدنى ملابسة إذن فالمحال في اللغة هو الذي يفتقد لأدنى ملابسة تقطع الرباط الواصل بين المتكلم و المخاطب .
و على أية حال فاللغة عمودها المجاز ، و حياة المجاز في علم المخاطب .

3 - إجراءات التكوين الجملي في ضوء علم المخاطب :
يمكن إجمال هذه الإجراءات فيما يلي:
( الحذف - الذكر - التقديم - التأخير )
وتنتظم هذه الإجراءات في معظم اللغات ، وهي تعد ركيزة أساسية في الاستعمال اللغوي، وذلك ما التقطه سيبويه بعبقريته اللغوية وبنى عليه منهجية التدوين للدروس النحوية والصرفية وما داخلها من دروس صوتية.
ولم يقف سيبويه عند مجرد تدوين هذه الإجراءات بل قام بربطها بعلم المخاطب مما يأكد على أهمية الاستعمال اللغوي في النظرية اللغوية عند سيبويه .
ولعل ارتباط الأحكام المعيارية نحو :
( جائز - ممتنع - عربية - جائز جيد - وهو القياس - لغة رديئة )
على سبيل المثال لا الحصر، أقول إن هذه الأحكام المعيارية ارتبطت بإجراءات التكوين الجملي ومن ثم ارتبطت بعلم المخاطب ؛ إذ إنه يوجد في ذهن كل منا مجموعة من التصورات التي ترتبط بنماذج مختلفة تختلف استعمالاتها باختلاف الوسط اللغوي فصيح كان أو عامي ، فلو إننا افترضنا أن أحدهم يملك تصورا ً عن النموذج الفصيح و أخذ يحاول التواصل مع آخر لا يملك هذا النموذج فإن المخاطـَب يفتقد للإجراءات التكوينية التي بُني عليها ذلك النموذج الفصيح ، و من ثم ينقطع الرباط الواصل بين المتكلم و المخاطـَب ، كذلك يظهر ذلك بوضوح في اللغات الخاصة كـ " المهنية " على سبيل المثال ؛ إذ تملك نموذجا ً خاصا ً بها مبنيا ً في ذهن أصحاب هذه المهنة ، و بناء على ما سبق كانت دوافع سيبويه في التقعيد للنموذج الأعظم " القرآن الكريم " ، و من ثم اطلاق هذه الأحكام المعيارية في إطار الاستعمال اللغوي من خلال التقعيد لمجموعة من التصورات تمكن المخاطـَب من فهم الإجراءات التكوينية في النص القرآني .

4 - المنهج السماعي في ضوء علم المخاطب :
المنهج السماعي في تلقي اللغة عند العرب لاريب أنه موضوع قد قتل بحثا ً، لكنني هذه المرة أنظر إليه في إطـار علم المخاطب أو دور المنهج السماعي في الاستعمال اللغوي بشكل عام .
اللغة منطوقة في المقام الأول ومن ثم كان السمع هو المحور الثاني الذي تكتمل به العملية اللغوية ، ولا تستقيم لدى المتلقي الإجراءات التكوينية للجملة إلا بالدراية بطبيعة الاستعمال اللغوي في الوسط الذي يوجد فيه ، مما يؤثر بدوره في علمه كمخاطـَب بما يستقبل من إشارات .
إذن فالمخاطـَب يقوم بتشكيل أنموذج معين لكل وسط لغوي يوجد فيه مما يعينه على تفسير و إنتاج الإجراءات التكوينية للجمل المختلفة في إطار الاستعمال اللغوي .
وسبق وقلنا إن سيبويه ينظر إلى أنموذج بعينه يقيم عليه نظريته اللغوية ومن ثم ظهر المنهج السماعي الذي يتحرى النماذج التي تحاكي النموذج الأعظم في إطار استعمالاتها اللغوية .

و لعله من تتمة هذا التقرير أن نشير إلى آراء لبعض أساتذتنا الذين رأوا ثمة تقارب في منهجية النظرية اللغوية عند العرب و النظرية البنائية ؛ إذ اعتمد كلاهما على المنهج الوصفي في الدرس اللغوي .
كذلك كان للاستعمال اللغوي بشكل عام و علم المخاطـَب بشكل خاص دور مؤثر في النظرية اللغوية عند سيبويه ، مما يلفت النظر إلى إمكانية الكشف عن نظرية لغوية عند العرب تجمع بين الوصفية البنائية و الاستعمال اللغوي .

دؤلية
28-04-2011, 02:28 PM
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

بوركت أخي الكريم على هذا الطرح.

هل يمكنك أن تفصل أكثر في النقطة (4) التي تتمثل في "المنهج السماعي في ضوء علم المخاطب" مع التدعيم بأمثلة.

موفق بإذن الله.

د.سليمان خاطر
28-04-2011, 03:53 PM
يطيب لي أن أرحب بك ترحيبا يليق بمقامك الكريم هنا في الفصيح بين إخوتك من طلبة العربية ومحبيها، أخي الكريم الأستاذ الفاضل/أحمد محمد عبد المنعم عطية .
لم أجد الوقت لقراءة ما خطته يدك الكريمة هنا بما يليق به من التعمق والتركيز، ولكن مررت به مرورا، ولعلي أعود إليه بالقراءة والتعليق قريبا إن شاء الله.
والكتاب بحر لا ساحل له، كما تعلمون، فأرجو شاكرا أن تسهم بما عندك من علمه هنا مع إخوتك وزملائك؛ لخدمة العربية وطلبتها في كل مكان.
وبارك الله فيك وجزاك الله خيرا.

أحمد محمد عبد المنعم عطية
28-04-2011, 04:54 PM
أستاذي الدكتور سليمان خاطر إنه لشرف لي الانضمام إلى ذلك المقام الكريم جزاك الله عني كل الخير وفي انتظار توجيهاتكم .

أحمد محمد عبد المنعم عطية
28-04-2011, 04:57 PM
أختي الكريمة " أم فاتح القدس " سأسهب القول فيما أردتي ، ولكي مني جزيل الشكر لتفضلكم بقرأة ما كتبت .