أجدر
30-10-2016, 07:59 PM
أسئلة وأجوبة تلخيصية لكتاب الدواعي للعلامات الإعرابية
بسم الله الرحمن الرحيم
سأقوم هنا بوضع تلخيص لكتابي الذي هو في أصله تلخيص لأفكار قد تكون جديدة في علم النحو ، وتتناول هذه الأفكار علل العلامات الإعرابية.
والغاية من هذا التلخيص ، هي توصيل فكرة الكتاب بطريقة أخرى ، لأن طبيعة الأفكار التي طرحت في الكتاب والتي هي في طبيعتها أفكار دقيقة وربما أيضاً الأسلوب الذي اتبعته في الكتابة لم تؤديا لوصولٍ سليمٍ لتلك الأفكار على ما يبدو ، وقد أشعرني البعض بهذا في نقدهم للكتاب ، ولذا فأنا أسعى أيضاً هنا لسماع المزيد من النقد على هذه الأفكار .
إلى الأسئلة :
س1 : ما الذي يتكلم عنه كتاب الدواعي للعلامات الإعرابية تحديداً ؟
يتكلم عن علل جديدة للعلامات الإعرابية ، وأنها هي من تقف وراء ( الرفع و النصب والجر والجزم )
س2 : كيف يمكن أن تكون هناك علل أخرى ؟
يمكن ذلك إذا تم الاعتماد على أساس آخر يتم من خلاله فهم عمل تلك العلل غير الأساس المعروف والذي اعتمد على العامل الظاهر أو المقدر .
س3 : ماهو الأساس الذي تم اعتماده لاستنباط العلل النحوية في الكتاب ؟
لقد كانت إرادة المتكلم ومقصده من كلامه هي الأساس في فهم علل العلامات الإعرابية ، و أما العامل الظاهر أو المقدر فهو أثر لإرادة المتكلم ومقصده .
س4 : هل يمكن القول أن علة رفع الاسم الواقع في بداية الجملة ليس الابتداء ؟ وأن علة رفع الاسم الواقع بعد الفعل ليست الفاعلية ....الخ ؟
نعم ، هذا صحيح ، وأن علل الأفعال أيضا ليست الدلالة على الزمن .
س4 : لنبدأ الآن في فهم علل العلامات الإعرابية التي يتحدث الكتاب عنها ، ما الذي يمكن أن نبدأ به ؟
كان النحاة يقسمون الجملة لقسمين ، اسمية و فعلية .
و نحن هنا لن نقسم الجملة ، فالجملة في اعتقادنا واحدة ، تتكون من ركنين أساسيين :
الركن الأول : الاسم ، والذي عبرنا عنه في الكتاب بـ ( الذات ) .
الركن الثاني : المادة الإخبارية .
س5 : لنتحدث عن الركن الأول وهو ( الذات ) لماذا يرفع تارة وينصب تارة ويجر تارة أخرى ؟
علينا أن نفهم ما الذي يريده المتكلم حتى نعرف أسباب الرفع والنصب والجر .
ونستطيع أن نقول أن المتكلم عندما يريد التحدث عن ذات ما فلا بد أن يتصورها في ذهنه كي يتحدث عنها .
ولهذا التصور ثلاثة أقسام :
إما أن يتصور الذات متصلة بمادتها الإخبارية ، فيكون حقها الرفع .
وإما أن يتصور الذات متصلة مع المادة التي ستقوم بتعريفها ، فيكون حقها الجر .
وإما أن يتصور الذات مستقلة فيكون حقها النصب .
إذن فيمكن الاعتقاد أن نظرة المتكلم للذات هي الأساس والذي بحسبه يتم اختيار الرفع أو النصب أو الجر .
س 6 ما المقصود بهذه التصورات ؟
المتكلم حين يريد الكلام عن ذات ما ، فهذه الذات إما أن تحضر في ذهنه مستقلة بلا مادة إخبارية ولا مادة تقوم بتعريفها ، كما في الجملة التالية ( أكل محمد الطعام ) فكلمة ( الطعام ) حين تصورها المتكلم ، تصورها مستقلة بلا مادة إخبارية ولا مادة يقوم بتعريفها ، فلم يخبر أي شيء عن الطعام حتى تكون له مادة إخبارية ، وإنما نظر له مستقلا كي يبين ما الذي وقع عليه الأكل ، وكذلك لم يأت به ليعرف به غيره ، كأن يقول ( هذه طاولة الطعام ) فالطعام هنا جاءت معرفة لغيرها وهي كلمة ( الطاولة ) .
أما كلمة ( الطعامُ لذيذ ) فالمتكلم هنا حين تصور ( الطعام ) تصوره مع مادته الإخبارية المحكية عنه وهي ( لذيذ ) ، وهذا سبب الرفع .
س7 : ما الذي تشمله المادة الإخبارية ؟
المادة الإخبارية التي يتصورها المتكلم متصلة بالذات المحكية عنها تشمل الفعل و الخبر .
فعلّة رفع (زيد ينام ) و ( زيد نائم ) هي أن المتكلم تصور زيدا مع المادة الإخبارية و التي هي ( ينام ، نائم ) ، ولم يتصور زيدا مستقلا عن المادة الإخبارية .
س8 : لكن حين نقوم بتطبيق هذا الكلام على اسم ( إن ) وأخواتها فسنجد تناقضا ، لأن اسم ( إن ) مقرون بمادة إخبارية ومع ذلك جاء اسم ( إن ) منصوبا ؟
وجود المادة الإخبارية لا يعني أن المتكلم تصور الذات متصلة بها .
وحتى نفهم هذا جيداً ، لابد من أن نفهم ما الذي يحدث بالضبط في اسم ( إن ) وأخواتها .
حين يقول المتكلم ( إنّ الطفلَ جميلٌ ) .
فهو هنا يتصور الطفل معزولا عن مادته الإخبارية ، لأنه يريد أن يثبت له المادة الإخبارية (الجمال ).
وحتى يثبت له الجمال لا يمكن أن يكون قد تصوره في ذهنه متصلا بالجمال لأن طبيعة إثبات الشيء للشيء تستلزم النظر إلى الشيء المراد الإثبات له بمعزل .
إذن فالمتكلم في اسم ( إن ) وأخواتها بصدد القيام بمهمة ، وهذه المهمة تجبره على أن يتعامل مع الذات وهي مستقلة ومعزولة عن مادتها الإخبارية ، حتى يتمكن من القيام بمهمته .
وسنأتي بهذا المثال حتى نفهم ما الذي يقوم به المتكلم حين يستخدم ( إن ) وأخواتها .
إن المتكلم هنا يشبه ذلك الفارس الذي يمسك بالسيف ليدخله بالغمد ، وهذه المهمة تستلزم أن الغمد خال من السيف و مستقل عنه .
وهذا بالضبط ما يفعله المتكلم ، فإذا تخيلنا السيف هو المادة الإخبارية ، والغمد هو الذات ، فإن المتكلم في الجمل التي دخلت عليها ( إن ) يقوم بالنظر للذات مستقلة حتى يستطيع أن يأخذ المادة الإخبارية و يركبها بها ، على العكس من نظرته للجملة بدون دخول ( إن ) والتي يرى فيها أن الذات متصلة بالمادة الإخبارية أي أن السيف بداخل الغمد .
ويجب علينا أن ندرك أن كل حرف من الحروف الناسخة له مهمة مختلفة ولكن جميعها يتفق في أن نظرة المتكلم للذات فيها تكون نظرة مستقلة عن المادة الإخبارية .
فحين يقول المتكلم ( ليت زيدا ناجح ) فهو ينظر لزيد مستقلا ويتمنى له النجاح ، وهذا يشبه عمل ( إنّ ) فعمل ( إنّ ) إثبات شيء لشيء ، وكذلك في ( ليت ) فعمل ( ليت ) تمني شيء لشيء . وهكذا باقي أخوات إن .
س9 :هل ينطبق هذا الكلام على ( لا ) النافية للجنس ؟
نعم ينطبق هذا الكلام على (لا ) النافية للجنس ، سوى أن نظرة المتكلم يمكن أن تتجه لنفي اسم ( لا ) وهي مستقلة ، ويمكن أن تتجه لنفي الاتصال ، أي للاسم وللمادة الإخبارية .
فإذا شبهنا النفي ، بعملية إقصاء ، وطبقنا هذا على مثال السيف والغمد ، فإن المتكلم إذا أراد أن يقصي الغمد فقط من دون الاسم ، فيلزمه أن يتصور الغمد لوحده مستقلا حتى يقع عليه الإقصاء ، فإذا قال المتكلم ( لا مصباحَ مضيء ) فإن المتكلم هنا أراد نفي جنس المصباح ، ولذا نظر له من دون المادة الإخبارية لأن مهمة النفي كانت واقعة على جنس المصباح .
أما في جملة ( لا المصباحُ مكسورٌ ولا الإناء ) فإن النفي لم يقع على المصباح لوحده والدليل أننا لم نفهم من هذه الجملة نفي جنس المصباح كما في المثال السابق ، بل فهمنا نفي كسر المصباح ، وهذا يعني أن المتكلم كان يتحدث عن الاسم ومادته الإخبارية ليقوم عليها بالنفي جميعا ، بعكس الجملة الأولى والتي كان يتحدث فيها عن المصباح فقط حتى يوقع عليه النفي .
س10 : ما المقصود بأن يتصور المتكلم الذات متصلة بالمادة التي يقوم بتعريفها ؟
في هذا التصور يأتي المتكلم بالذات ليعرف غيرها ( المضاف) ، أو( حرف جر ) .
مثل ( هذا كتاب زيد ) و ( مررت بـ زيد ) فهنا تصور المتكلم ذات زيد متصلة بالمادة التي سيقوم بتعريفها .
س 11 : ما المقصود بأن يتصور المتكلم الذات مستقلة ، من غير مادة إخبارية أو مادة تقوم بتعريفها ؟
قلنا أن المتكلم قد ينظر للذات من دون أن يتصور معها مادة إخبارية أو مادة يقوم بتعريفها ، وذلك إما لأنه لا يرغب بأن يخبر عنها بمادة إخبارية ، كالمفاعيل و التمييز و المستثنى ، والتي يأتي بها المتكلم في العادة للبيان دون أن يحكي عنها .
وإما أن تكون له مهمة ما تجعله ينظر للذات مستقلة ، كاسم ( إن ) و اسم ( لا ) النافية للجنس .
ولك أن تتأمل هذا المثال
فإذا قال المتكلم ( رحل زيدٌ والبعير ) فإن حكم ( البعير ) بحسب قصد المتكلم ، فإذا كان قصده اتصاله بالمادة الإخبارية ( رحل ) أي أنه رحل أيضاً كما رحل زيد ، فحكمه الرفع ، وإما إذا لم يتصل بالمادة الإخبارية وكان مستقلا وذلك بأن يكون قصد المتكلم أن زيداً رحل بمعية البعير ، كان حكمه النصب لأن ( البعير ) استقل عن المادة الإخبارية.
س12: هل تسري هذه الأحكام على المنادى أيضاً ؟
لا تسري هذه الأحكام على المنادى ، لأن طبيعة الجملة الندائية ومقصد المتكلم منها يختلف عن طبيعة الجملة الانشائية ومقصده منها ، ولذا فللمنادى أحكام خاصة به .
ويمكن إيجاز أحكام المنادى بما يلي :
إذا كان المنادى قادرا على تعيين الذات المقصودة بالنداء ، فحكمه الرفع .
ويشمل هذا ( العلم المفرد ، النكرة المقصودة )
لأن العلم المفرد والنكرة المقصودة ، يقومان بتحديد الذات الموجهة إليها عملية النداء .
وإن كان غير قادر على تعيين الذات المقصودة بالنداء ، فحكمه النصب .
ويشمل هذا ( النكرة إذا كانت غير مقصودة ، والمضاف ، والشبيه بالمضاف )
والنكرة إذا كانت غير مقصودة ، فهذا يعني أن الذات المناداة غير محددة ومعينة ، وهذه الفكرة تنطبق أيضا على ( المضاف ، والشبيه للمضاف ) فاحتياجهما للإضافة دليل على أن المنادى غير محدد وغير معين ولذا تمت الإضافة لغرض إضافة التعيين ، فالمتكلم حين يقول ( يا صديق زيد أقبل ) فإن كلمة ( صديق ) لم تقم بتعيين ذات محددة ، ولذا تمت إضافتها لزيد حتى تكتسب التعيين ، وهذه العلة هي نفس علة النكرة الغير مقصودة ، فحين يقول المتكلم وهو لا يقصد أحداً بعينه ( يا كريماً لا تبخل بمالك ) فإن كلمة ( كريماً ) لم تقم بتعيين ذات محددة .
س 13 : هل يدخل ( الحال ) في أحكام الاسم ؟
قبل الحديث عن الحال سنتحدث عن الأسماء المشتقة ، الأسماء المشتقة بحسب قصد المتكلم ، فهو يقدر على أن يجعلها تعيينا للذوات ، ويقدر أن يجعلها مواد إخبارية ، والحال بطبيعته مادة إخبارية ، لأن المتكلم لا يعين به ذاتا بل يقصده كمادة إخبارية .
س14 : هل سيعني هذا أن ( الفعل ، والخبر من المبتدأ ، وخبر ( إن ) وخبر ( كان ) ، والحال ) كلها لها حكم واحد ؟
نعم صحيح ، جميعها مواد إخبارية ولذا فهي تعمل بنظام واحد .
س15 : ماهي إذن علل العلامات الإعرابية للمواد الإخبارية ؟
كان العنصر الأساسي في فهم علل العلامات الإعرابية للذوات هو ( نظرة المتكلم للاسم وتصوره عنه ) ، أما في الأفعال والحال والخبر ( المواد الإخبارية ) فالعنصر الأساسي هو الممارسة .
س16 : ما المقصود بالممارسة وما قانونها ؟
إذا كان هناك شخص اسمه ( زيد ) وهناك حدث وهو (الأكل ) فإن مقصود الممارسة يعني الإجراءات والاتصالات التي تقع من زيد لإحداث حدث الأكل ، أي قيامه بالإمساك بالطعام وإدخاله لجوفه ......، إذا كان زيد فاعلا للحدث ، وأما إذا كان الحدث واقعا عليه مثل جملة ( ضُربَ زيدٌ ) فتكون الممارسة هي الإجراءات التي تقع على زيد لإحداث الضرب عليه .
و لذا فقانون المواد الإخبارية والتي سنطلق عليها بـ ( الخبر ) لنحددها ( الفعل ، الخبر ، الحال ) سينقسم لثلاثة أقسام على ضوء قصد المتكلم من الممارسة :
القسم الأول : أن يقصد المتكلم عدم ممارسة الذات للحدث .
وفي هذا القسم تكون نظرة المتكلم للحدث أنه غير ممارَس لأنه يقصد الذات وهي منفصلة عنه .
القسم الثاني : أن يقصد المتكلم ممارسة الذات للحدث .
وفي هذا القسم تكون نظرة المتكلم للحدث أنه ممارَس لأنه يقصد الذات وهي بصدد اجراءات إيقاعه .
القسم الثالث : أن يقصد المتكلم إيقاع الذات للحدث .
وفي هذا القسم تكون نظرة المتكلم للحدث باعتبار وقوعه من الذات لأنه يقصد إيقاع الذات للحدث.
ولا يهمنا واقع الذات ، فيمكن أن تكون الذات في الواقع مختلفة عن قصد المتكلم ، لكن القانون هنا يعمل بمقصد المتكلم لا بواقع الذات .
س 17 : ما المقصود بالقسم الأول والذي يقصد المتكلم فيه عدم ممارسة الذات للحدث ؟
يقصد المتكلم في هذا القسم أن الذات معزولة عن الحدث وغير ممارسة له ويكون الحدث هنا بالطبع غير ممارَس، ولهذا سيضع لها حكما واحدا وهو الجزم .
وسيدخل في هذا القسم ( فعل الأمر ) لأن المتكلم حين يتوجه لذات ما بالأمر كأن يتوجه لزيد بقوله ( اذهب يا زيد ) فهذا يعني أنه رآه منعزلا عن الحدث وغير ممارس له ولهذا قام بأمره بإحداثه .
ولهذا ففعل الأمر فعل خطابي لأن المتكلم يتصور فيه الذات معزولة فيتوجه لها بالخطاب بإحداث أمر ما .
وهذا يشبه أيضا النهي فعندما يخاطب المتكلم ذاتا ما لينهاها عن حدث ما ، فهذا يعني أنه تصورها وتعامل معها معزولة حين توجه لها بالخطاب ومن ثم نهاها عن ممارسة الحدث .
وهذا يشبه كما لو أن هناك نقطتين ( أ ) و ( ب ) والمتكلم إذا اتجه للنقطة ( أ ) ليمسكها ويقربها من النقطة (ب ) أو يبعدها عنه ، فهذا يعني أنه تعامل مع النقطة ( أ ) بعزلة عن النقطة ( ب ) ولم يكن تعامله معهما سويا كما في مثال الفارس والسيف والغمد، وهذا ما يحدث في أسلوب الأمر و النهي .
ولذا سيندرج هنا أيضاً الفعل المضارع المسبوق بـ ( لام الأمر ) لأنه فعل خطابي ، فالمتكلم يتوجه للمخاطب ليحثه على فعل أمر ما ، وهذا يعني أنه يراه منفصلا عنه ، كما لو قال القائل ( لنرحل من هنا ) فالمتكلم توجه للمخاطبين ، وقام بأمرهم بمباشرة الرحيل ، فيكونوا غير ممارسين للحدث ، ويكون الحدث غير واقع منهم .
وفي الأفعال المضارعة المجزومة بـ ( أدوات الشرط ) فإن نظرة المتكلم للذات هي أنها غير ممارسة للحدث ، فإذا قال المتكلم ( إن يأكل زيد نأكل ) فإن المتكلم هنا رأى زيداً منعزلا وغير ممارس للحدث ، ولذا جعل الشرط هو أن يمارس زيد الأكل ويباشره ، وهذا بلا شك يؤكد أن نظرته لزيد غير ممارس للأكل ولم يقع منه .
أما لو قال المتكلم ( إن أكلَ زيدٌ نأكل ) فإن المتكلم هنا لم يجعل زيد معزولا عن حدث الأكل بل كان مقصده إيقاع زيد للأكل ولذا أتى بالفعل الماضي للتعبير عن هذا .
إذن في الجملة الشرطية الأولى كان المتكلم يتحدث عن زيد باعتباره غير ممارس للحدث ، وفي الجملة الشرطية الثانية كان يتحدث عن زيد باعتبار إيقاعه للحدث ، وهذان مقصدان مختلفان .
وفي الجزم بأداة ( لم ) في جملة ( لم يتحرك زيدٌ ) فالمتكلم هنا يعبر عن ذات غير ممارسة للحدث في الزمن الماضي ، فهو يخبرنا بأن زيد لم يمارس التحرك ، وهذا يعني أنه نظر لزيد منعزلا عن الحدث .
س18 : وما المقصود بالقسم الثاني والذي يقصد المتكلم فيه ممارسة الذات للحدث ؟
في القسم الأول عرفنا أن المتكلم يقصد أن الذات غير ممارسة ومتصلة بالحدث ، وهذا يعني أنه يقصد أن الحدث لا يمارَس من الذات .
أما في هذا القسم فإنه سيتطرق لممارسة الذات للحدث ويقصد عملية الممارسة حيث قيام الذات بالإجراءات التي تنتج لنا الحدث .
وسيدخل هنا بالتأكيد ( الفعل المضارع الذي لم يسبق بأداة نصب أو جزم ) فإذا قال المتكلم ( يذهب زيد ) فإنه يتحدث هنا عن ممارسة زيد للذهاب وقيامه بالمشي وكل ما يتطلبه الذهاب ، فهذا ما يعنيه وهذا ما يتحدث عنه .
أما لو استعمل المتكلم (ســ ) أو ( سوف ) في الفعل المضارع في مثل قوله ( سآكلُ بعد قليل ) فإنه هنا يرغب بالتأكيد على الممارسة ، أي أنه يؤكد أنه سيمسك بالطعام ويمضغه ويبلعه وكل ما تتطلبه عملية الأكل لتقع ، فالحديث هنا عن جزء الممارسة وممارسته للأكل تعني صناعته للحدث ، ورغم أنه فعليا لم يشرع في الممارسة ، لكن حديثه جاء في جزئية الممارسة لأنه يريد تأكيدها ،فلهذا صورها للمخاطب كي يفهم مقصده .
وفي الفعل المضارع المسبوق بالنفي في قولنا ( زيدٌ لا يأكلُ ) فإن المتكلم هنا جاء لينفي جزءا محددا ، وهذا الجزء هو ممارسة زيد للأكل ، فهو ينفي إمساك زيد بالطعام ومضغه وبلعه ... الخ ، ولأن حديثه كان عن إمساك زيد بالطعام ومضغه ... حتى يوقع عليه النفي ، فلا بد وأن يكون هذا هو ما تصوره في الأصل ليوقع عليه النفي .
وفي خبر المبتدأ في قولنا ( زيد مبتسم ) فنحن نتحدث عن ممارسة زيد للابتسام ، ولهذا فحكم الخبر ( مبتسم ) هو الرفع.
ودائما حين يقصد المتكلم جزء الممارسة فإن حكم الخبر حينها الرفع .
س19 : وما المقصود بالقسم الثالث والذي يقصد فيه المتكلم إيقاع الذات للحدث ؟
في هذا القسم لم يعد المتكلم يتحدث عن ذات معزولة عن حدث ، وحدث لا يمارس ، ولا عن ممارسة الذات للحدث ، وإنما يتحدث عن إيقاع الحدث من الذات وإصداره ، بمعنى أن المتكلم لا يود أن يخبر عن ممارسة زيد للأكل مثلاً ، بل عن إيقاع زيد للأكل ، وهذا مقصد ثالث يمكن أن يلجأ له المتكلم أثناء الكلام ، وبمجرد أن يقصد المتكلم جزئية إيقاع الذات للحدث فهذا يعني أن الحدث سيدخل في هذا القسم ، ولا يعني أن يقصد المتكلم إيقاع الذات للحدث أنها قد قامت في واقعها به ولكن مجرد أن يهدف المتكلم لهذا الجزء ، فهذا يعني أن حكمه النصب أو البناء على الفتح .
وفي الفعل الماضي ( أكلَ زيدٌ الطعامَ ) فالمتكلم هنا يتحدث عن وقوع حدث الطعام من زيد ، وإصدار زيد له في الزمن الماضي .
وهذا المقصد يتكرر ولكن في الزمن المستقبلي ففي الفعل المضارع ( يرجع ) في قول الله تعالى ( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجعَ إلينا موسى ) فعبدة العجل من قوم موسى قالوا أنهم لن يبرحوا من عبادتهم للعجل حتى يرجع موسى ، فهم يقصدون إيقاع موسى لحدث الرجوع ، فالحديث يدور حول إيقاع الحدث في الزمن المستقبلي وقيام موسى عليه السلام به حتى يبرحوا.
وما دام الحديث عن إيقاع الذات للحدث وقيامها به ، فهذا هو علة نصب الفعل المضارع بالرغم من أن موسى ساعة كلامهم لم يوقع الرجوع ، لكن الحديث دار عن إيقاعه للحدث وقيامه به ، وهذا يشبه علة البناء على الفتح في الفعل الماضي لأن المتكلم يتحدث أيضا عن نفس الشيء وهو إيقاع الذات للحدث وقيامها به .
وهذا اتجاه طفيف ومختلف في مقصد المتكلم ولكنه هو العامل الحقيقي في نصب الفعل المضارع الذي يكون في الأصل مرفوعا ، ولكن حين اختلف مقصد المتكلم منه اختلف الحكم الإعرابي .
وفي قول المتكلم في الفعل المضارع المسبوق بـ ( أن ) ( أن يأكلَ زيدٌ الطعام خيرٌ له من ازدرائه ) فلو سألنا عن ماذا يتحدث المتكلم هنا ؟ فالجواب أنه يتحدث عن قيام زيد بالأكل وإيقاعه له ، وأن هذا خير له من الازدراء ، وما دام أنه تحدث عن إيقاع الذات للحدث فهذا هو علة نصبه ، لأنه حين أراد التعبير عن قيام زيد بالأكل فيلزمه أنه تصور زيد وقد مارس الأكل في المستقبل ، لأن هذا ما يتحدث عنه وما يرغب أن يخبر به المخاطب ، أما في قول المتكلم في الجملة الشرطية ( إن يأكلْ زيدٌ نأكل ) فهو لا يتحدث عن قيام زيد بممارسة الأكل في المستقبل وإيقاعه له ، لأن الحديث لا يدور عن هذا ، ولا يريد المتكلم تصوير هذا للمخاطب ، على عكس جملة ( أن يأكلَ زيدٌ الطعام خير له من ازدرائه ) والتي أراد المتكلم فيها تصوير قيام الذات بإيقاع الحدث ليقوم بالإخبار عن ذلك بأنه خير من ازدرائه .
وفي قول المتكلم في الفعل المضارع المسبوق بـ حتى في جملة ( جئتُ حتى آكلَ ) فإن علة نصب الفعل المضارع آكل هي أن المتكلم يقصد الحديث عن إيقاع زيد للأكل في المستقبل ، والحديث عن إيقاع زيد للأكل يعني أن المتكلم تصور قيامه بممارسة الحدث في المستقبل وإيقاعه له ، وهذا الجزء يختلف عن جزء الحديث عن الممارسة ، فلم يقصد المتكلم بقوله ( جئت حتى آكل ) الحديث عن إمساكه بالطعام ومضغه وبلعه ... بل عن وقوع هذا الحدث منه في المستقبل .
وفي قول المتكلم ( لن آكلَ معكم ) فالمتكلم هنا يتحدث عن وقوع الأكل منه في المستقبل حتى ينفي ذلك ، فهو يتصور قيامه بالأكل لينفي ذلك حتى يعلم المخاطب ما هو المنفي .
وأيضاً لو قال المتكلم ( لن يكذب زيد ) فهو يتحدث عن قيام زيد بالكذب وإيقاعه في المستقبل ، لأنه بصدد نفيه ، فيفهم المخاطب بهذا ماهو المنفي ، ولو لاحظت في قول المتكلم ( لن يكذبَ ) فستجد أن المتكلم لا يتحدث عن ممارسة زيد للكذب وإنما الحديث عن إيقاعه له .
ولذلك فالنفي هنا يشبه النفي في (لا ) النافية التي ترفع الفعل المضارع في قولنا ( لا يكذبُ زيدٌ ) من حيث طريقة النفي ، فهنا نجد أن المتكلم يتحدث عن ممارسة عملية الكذب لينفيها عن زيد ، أما في قولنا مثلاً ( لن يكذبَ زيدٌ ) فالمتكلم يتحدث عن قيام زيد بالكذب لينفيها ، فالنفي نفي قيام زيد به وإيقاعه له .
وفي خبر كان وأخواتها لو قال المتكلم ( كان زيدٌ مبتسماً ) فالمتكلم يتحدث عن إيقاع زيد للابتسام وإصداره له .
وكذلك في الحال ، لو قال المتكلم ( رأيت زيداً مبتسماً ) فهو يقصد إيقاعه لحدث الابتسامة .
أما لو أراد ممارسة زيد للابتسامة فيمكنه أن يقول ( رأيت زيدا وهو مبتسمٌ ) وبهذا يتغير حكمه للرفع ، لأنه أراد الحديث عن ممارسة زيد للابتسامة ، وليس إيقاع زيد لها .
انتهى الملخص ومن يرغب في قراءة المزيد من التوضيح فيمكنه مراجعة الموقع المنشور باسم الكتاب ( الدواعي للعلامات الإعرابية )
http://alddawaei.com/
بسم الله الرحمن الرحيم
سأقوم هنا بوضع تلخيص لكتابي الذي هو في أصله تلخيص لأفكار قد تكون جديدة في علم النحو ، وتتناول هذه الأفكار علل العلامات الإعرابية.
والغاية من هذا التلخيص ، هي توصيل فكرة الكتاب بطريقة أخرى ، لأن طبيعة الأفكار التي طرحت في الكتاب والتي هي في طبيعتها أفكار دقيقة وربما أيضاً الأسلوب الذي اتبعته في الكتابة لم تؤديا لوصولٍ سليمٍ لتلك الأفكار على ما يبدو ، وقد أشعرني البعض بهذا في نقدهم للكتاب ، ولذا فأنا أسعى أيضاً هنا لسماع المزيد من النقد على هذه الأفكار .
إلى الأسئلة :
س1 : ما الذي يتكلم عنه كتاب الدواعي للعلامات الإعرابية تحديداً ؟
يتكلم عن علل جديدة للعلامات الإعرابية ، وأنها هي من تقف وراء ( الرفع و النصب والجر والجزم )
س2 : كيف يمكن أن تكون هناك علل أخرى ؟
يمكن ذلك إذا تم الاعتماد على أساس آخر يتم من خلاله فهم عمل تلك العلل غير الأساس المعروف والذي اعتمد على العامل الظاهر أو المقدر .
س3 : ماهو الأساس الذي تم اعتماده لاستنباط العلل النحوية في الكتاب ؟
لقد كانت إرادة المتكلم ومقصده من كلامه هي الأساس في فهم علل العلامات الإعرابية ، و أما العامل الظاهر أو المقدر فهو أثر لإرادة المتكلم ومقصده .
س4 : هل يمكن القول أن علة رفع الاسم الواقع في بداية الجملة ليس الابتداء ؟ وأن علة رفع الاسم الواقع بعد الفعل ليست الفاعلية ....الخ ؟
نعم ، هذا صحيح ، وأن علل الأفعال أيضا ليست الدلالة على الزمن .
س4 : لنبدأ الآن في فهم علل العلامات الإعرابية التي يتحدث الكتاب عنها ، ما الذي يمكن أن نبدأ به ؟
كان النحاة يقسمون الجملة لقسمين ، اسمية و فعلية .
و نحن هنا لن نقسم الجملة ، فالجملة في اعتقادنا واحدة ، تتكون من ركنين أساسيين :
الركن الأول : الاسم ، والذي عبرنا عنه في الكتاب بـ ( الذات ) .
الركن الثاني : المادة الإخبارية .
س5 : لنتحدث عن الركن الأول وهو ( الذات ) لماذا يرفع تارة وينصب تارة ويجر تارة أخرى ؟
علينا أن نفهم ما الذي يريده المتكلم حتى نعرف أسباب الرفع والنصب والجر .
ونستطيع أن نقول أن المتكلم عندما يريد التحدث عن ذات ما فلا بد أن يتصورها في ذهنه كي يتحدث عنها .
ولهذا التصور ثلاثة أقسام :
إما أن يتصور الذات متصلة بمادتها الإخبارية ، فيكون حقها الرفع .
وإما أن يتصور الذات متصلة مع المادة التي ستقوم بتعريفها ، فيكون حقها الجر .
وإما أن يتصور الذات مستقلة فيكون حقها النصب .
إذن فيمكن الاعتقاد أن نظرة المتكلم للذات هي الأساس والذي بحسبه يتم اختيار الرفع أو النصب أو الجر .
س 6 ما المقصود بهذه التصورات ؟
المتكلم حين يريد الكلام عن ذات ما ، فهذه الذات إما أن تحضر في ذهنه مستقلة بلا مادة إخبارية ولا مادة تقوم بتعريفها ، كما في الجملة التالية ( أكل محمد الطعام ) فكلمة ( الطعام ) حين تصورها المتكلم ، تصورها مستقلة بلا مادة إخبارية ولا مادة يقوم بتعريفها ، فلم يخبر أي شيء عن الطعام حتى تكون له مادة إخبارية ، وإنما نظر له مستقلا كي يبين ما الذي وقع عليه الأكل ، وكذلك لم يأت به ليعرف به غيره ، كأن يقول ( هذه طاولة الطعام ) فالطعام هنا جاءت معرفة لغيرها وهي كلمة ( الطاولة ) .
أما كلمة ( الطعامُ لذيذ ) فالمتكلم هنا حين تصور ( الطعام ) تصوره مع مادته الإخبارية المحكية عنه وهي ( لذيذ ) ، وهذا سبب الرفع .
س7 : ما الذي تشمله المادة الإخبارية ؟
المادة الإخبارية التي يتصورها المتكلم متصلة بالذات المحكية عنها تشمل الفعل و الخبر .
فعلّة رفع (زيد ينام ) و ( زيد نائم ) هي أن المتكلم تصور زيدا مع المادة الإخبارية و التي هي ( ينام ، نائم ) ، ولم يتصور زيدا مستقلا عن المادة الإخبارية .
س8 : لكن حين نقوم بتطبيق هذا الكلام على اسم ( إن ) وأخواتها فسنجد تناقضا ، لأن اسم ( إن ) مقرون بمادة إخبارية ومع ذلك جاء اسم ( إن ) منصوبا ؟
وجود المادة الإخبارية لا يعني أن المتكلم تصور الذات متصلة بها .
وحتى نفهم هذا جيداً ، لابد من أن نفهم ما الذي يحدث بالضبط في اسم ( إن ) وأخواتها .
حين يقول المتكلم ( إنّ الطفلَ جميلٌ ) .
فهو هنا يتصور الطفل معزولا عن مادته الإخبارية ، لأنه يريد أن يثبت له المادة الإخبارية (الجمال ).
وحتى يثبت له الجمال لا يمكن أن يكون قد تصوره في ذهنه متصلا بالجمال لأن طبيعة إثبات الشيء للشيء تستلزم النظر إلى الشيء المراد الإثبات له بمعزل .
إذن فالمتكلم في اسم ( إن ) وأخواتها بصدد القيام بمهمة ، وهذه المهمة تجبره على أن يتعامل مع الذات وهي مستقلة ومعزولة عن مادتها الإخبارية ، حتى يتمكن من القيام بمهمته .
وسنأتي بهذا المثال حتى نفهم ما الذي يقوم به المتكلم حين يستخدم ( إن ) وأخواتها .
إن المتكلم هنا يشبه ذلك الفارس الذي يمسك بالسيف ليدخله بالغمد ، وهذه المهمة تستلزم أن الغمد خال من السيف و مستقل عنه .
وهذا بالضبط ما يفعله المتكلم ، فإذا تخيلنا السيف هو المادة الإخبارية ، والغمد هو الذات ، فإن المتكلم في الجمل التي دخلت عليها ( إن ) يقوم بالنظر للذات مستقلة حتى يستطيع أن يأخذ المادة الإخبارية و يركبها بها ، على العكس من نظرته للجملة بدون دخول ( إن ) والتي يرى فيها أن الذات متصلة بالمادة الإخبارية أي أن السيف بداخل الغمد .
ويجب علينا أن ندرك أن كل حرف من الحروف الناسخة له مهمة مختلفة ولكن جميعها يتفق في أن نظرة المتكلم للذات فيها تكون نظرة مستقلة عن المادة الإخبارية .
فحين يقول المتكلم ( ليت زيدا ناجح ) فهو ينظر لزيد مستقلا ويتمنى له النجاح ، وهذا يشبه عمل ( إنّ ) فعمل ( إنّ ) إثبات شيء لشيء ، وكذلك في ( ليت ) فعمل ( ليت ) تمني شيء لشيء . وهكذا باقي أخوات إن .
س9 :هل ينطبق هذا الكلام على ( لا ) النافية للجنس ؟
نعم ينطبق هذا الكلام على (لا ) النافية للجنس ، سوى أن نظرة المتكلم يمكن أن تتجه لنفي اسم ( لا ) وهي مستقلة ، ويمكن أن تتجه لنفي الاتصال ، أي للاسم وللمادة الإخبارية .
فإذا شبهنا النفي ، بعملية إقصاء ، وطبقنا هذا على مثال السيف والغمد ، فإن المتكلم إذا أراد أن يقصي الغمد فقط من دون الاسم ، فيلزمه أن يتصور الغمد لوحده مستقلا حتى يقع عليه الإقصاء ، فإذا قال المتكلم ( لا مصباحَ مضيء ) فإن المتكلم هنا أراد نفي جنس المصباح ، ولذا نظر له من دون المادة الإخبارية لأن مهمة النفي كانت واقعة على جنس المصباح .
أما في جملة ( لا المصباحُ مكسورٌ ولا الإناء ) فإن النفي لم يقع على المصباح لوحده والدليل أننا لم نفهم من هذه الجملة نفي جنس المصباح كما في المثال السابق ، بل فهمنا نفي كسر المصباح ، وهذا يعني أن المتكلم كان يتحدث عن الاسم ومادته الإخبارية ليقوم عليها بالنفي جميعا ، بعكس الجملة الأولى والتي كان يتحدث فيها عن المصباح فقط حتى يوقع عليه النفي .
س10 : ما المقصود بأن يتصور المتكلم الذات متصلة بالمادة التي يقوم بتعريفها ؟
في هذا التصور يأتي المتكلم بالذات ليعرف غيرها ( المضاف) ، أو( حرف جر ) .
مثل ( هذا كتاب زيد ) و ( مررت بـ زيد ) فهنا تصور المتكلم ذات زيد متصلة بالمادة التي سيقوم بتعريفها .
س 11 : ما المقصود بأن يتصور المتكلم الذات مستقلة ، من غير مادة إخبارية أو مادة تقوم بتعريفها ؟
قلنا أن المتكلم قد ينظر للذات من دون أن يتصور معها مادة إخبارية أو مادة يقوم بتعريفها ، وذلك إما لأنه لا يرغب بأن يخبر عنها بمادة إخبارية ، كالمفاعيل و التمييز و المستثنى ، والتي يأتي بها المتكلم في العادة للبيان دون أن يحكي عنها .
وإما أن تكون له مهمة ما تجعله ينظر للذات مستقلة ، كاسم ( إن ) و اسم ( لا ) النافية للجنس .
ولك أن تتأمل هذا المثال
فإذا قال المتكلم ( رحل زيدٌ والبعير ) فإن حكم ( البعير ) بحسب قصد المتكلم ، فإذا كان قصده اتصاله بالمادة الإخبارية ( رحل ) أي أنه رحل أيضاً كما رحل زيد ، فحكمه الرفع ، وإما إذا لم يتصل بالمادة الإخبارية وكان مستقلا وذلك بأن يكون قصد المتكلم أن زيداً رحل بمعية البعير ، كان حكمه النصب لأن ( البعير ) استقل عن المادة الإخبارية.
س12: هل تسري هذه الأحكام على المنادى أيضاً ؟
لا تسري هذه الأحكام على المنادى ، لأن طبيعة الجملة الندائية ومقصد المتكلم منها يختلف عن طبيعة الجملة الانشائية ومقصده منها ، ولذا فللمنادى أحكام خاصة به .
ويمكن إيجاز أحكام المنادى بما يلي :
إذا كان المنادى قادرا على تعيين الذات المقصودة بالنداء ، فحكمه الرفع .
ويشمل هذا ( العلم المفرد ، النكرة المقصودة )
لأن العلم المفرد والنكرة المقصودة ، يقومان بتحديد الذات الموجهة إليها عملية النداء .
وإن كان غير قادر على تعيين الذات المقصودة بالنداء ، فحكمه النصب .
ويشمل هذا ( النكرة إذا كانت غير مقصودة ، والمضاف ، والشبيه بالمضاف )
والنكرة إذا كانت غير مقصودة ، فهذا يعني أن الذات المناداة غير محددة ومعينة ، وهذه الفكرة تنطبق أيضا على ( المضاف ، والشبيه للمضاف ) فاحتياجهما للإضافة دليل على أن المنادى غير محدد وغير معين ولذا تمت الإضافة لغرض إضافة التعيين ، فالمتكلم حين يقول ( يا صديق زيد أقبل ) فإن كلمة ( صديق ) لم تقم بتعيين ذات محددة ، ولذا تمت إضافتها لزيد حتى تكتسب التعيين ، وهذه العلة هي نفس علة النكرة الغير مقصودة ، فحين يقول المتكلم وهو لا يقصد أحداً بعينه ( يا كريماً لا تبخل بمالك ) فإن كلمة ( كريماً ) لم تقم بتعيين ذات محددة .
س 13 : هل يدخل ( الحال ) في أحكام الاسم ؟
قبل الحديث عن الحال سنتحدث عن الأسماء المشتقة ، الأسماء المشتقة بحسب قصد المتكلم ، فهو يقدر على أن يجعلها تعيينا للذوات ، ويقدر أن يجعلها مواد إخبارية ، والحال بطبيعته مادة إخبارية ، لأن المتكلم لا يعين به ذاتا بل يقصده كمادة إخبارية .
س14 : هل سيعني هذا أن ( الفعل ، والخبر من المبتدأ ، وخبر ( إن ) وخبر ( كان ) ، والحال ) كلها لها حكم واحد ؟
نعم صحيح ، جميعها مواد إخبارية ولذا فهي تعمل بنظام واحد .
س15 : ماهي إذن علل العلامات الإعرابية للمواد الإخبارية ؟
كان العنصر الأساسي في فهم علل العلامات الإعرابية للذوات هو ( نظرة المتكلم للاسم وتصوره عنه ) ، أما في الأفعال والحال والخبر ( المواد الإخبارية ) فالعنصر الأساسي هو الممارسة .
س16 : ما المقصود بالممارسة وما قانونها ؟
إذا كان هناك شخص اسمه ( زيد ) وهناك حدث وهو (الأكل ) فإن مقصود الممارسة يعني الإجراءات والاتصالات التي تقع من زيد لإحداث حدث الأكل ، أي قيامه بالإمساك بالطعام وإدخاله لجوفه ......، إذا كان زيد فاعلا للحدث ، وأما إذا كان الحدث واقعا عليه مثل جملة ( ضُربَ زيدٌ ) فتكون الممارسة هي الإجراءات التي تقع على زيد لإحداث الضرب عليه .
و لذا فقانون المواد الإخبارية والتي سنطلق عليها بـ ( الخبر ) لنحددها ( الفعل ، الخبر ، الحال ) سينقسم لثلاثة أقسام على ضوء قصد المتكلم من الممارسة :
القسم الأول : أن يقصد المتكلم عدم ممارسة الذات للحدث .
وفي هذا القسم تكون نظرة المتكلم للحدث أنه غير ممارَس لأنه يقصد الذات وهي منفصلة عنه .
القسم الثاني : أن يقصد المتكلم ممارسة الذات للحدث .
وفي هذا القسم تكون نظرة المتكلم للحدث أنه ممارَس لأنه يقصد الذات وهي بصدد اجراءات إيقاعه .
القسم الثالث : أن يقصد المتكلم إيقاع الذات للحدث .
وفي هذا القسم تكون نظرة المتكلم للحدث باعتبار وقوعه من الذات لأنه يقصد إيقاع الذات للحدث.
ولا يهمنا واقع الذات ، فيمكن أن تكون الذات في الواقع مختلفة عن قصد المتكلم ، لكن القانون هنا يعمل بمقصد المتكلم لا بواقع الذات .
س 17 : ما المقصود بالقسم الأول والذي يقصد المتكلم فيه عدم ممارسة الذات للحدث ؟
يقصد المتكلم في هذا القسم أن الذات معزولة عن الحدث وغير ممارسة له ويكون الحدث هنا بالطبع غير ممارَس، ولهذا سيضع لها حكما واحدا وهو الجزم .
وسيدخل في هذا القسم ( فعل الأمر ) لأن المتكلم حين يتوجه لذات ما بالأمر كأن يتوجه لزيد بقوله ( اذهب يا زيد ) فهذا يعني أنه رآه منعزلا عن الحدث وغير ممارس له ولهذا قام بأمره بإحداثه .
ولهذا ففعل الأمر فعل خطابي لأن المتكلم يتصور فيه الذات معزولة فيتوجه لها بالخطاب بإحداث أمر ما .
وهذا يشبه أيضا النهي فعندما يخاطب المتكلم ذاتا ما لينهاها عن حدث ما ، فهذا يعني أنه تصورها وتعامل معها معزولة حين توجه لها بالخطاب ومن ثم نهاها عن ممارسة الحدث .
وهذا يشبه كما لو أن هناك نقطتين ( أ ) و ( ب ) والمتكلم إذا اتجه للنقطة ( أ ) ليمسكها ويقربها من النقطة (ب ) أو يبعدها عنه ، فهذا يعني أنه تعامل مع النقطة ( أ ) بعزلة عن النقطة ( ب ) ولم يكن تعامله معهما سويا كما في مثال الفارس والسيف والغمد، وهذا ما يحدث في أسلوب الأمر و النهي .
ولذا سيندرج هنا أيضاً الفعل المضارع المسبوق بـ ( لام الأمر ) لأنه فعل خطابي ، فالمتكلم يتوجه للمخاطب ليحثه على فعل أمر ما ، وهذا يعني أنه يراه منفصلا عنه ، كما لو قال القائل ( لنرحل من هنا ) فالمتكلم توجه للمخاطبين ، وقام بأمرهم بمباشرة الرحيل ، فيكونوا غير ممارسين للحدث ، ويكون الحدث غير واقع منهم .
وفي الأفعال المضارعة المجزومة بـ ( أدوات الشرط ) فإن نظرة المتكلم للذات هي أنها غير ممارسة للحدث ، فإذا قال المتكلم ( إن يأكل زيد نأكل ) فإن المتكلم هنا رأى زيداً منعزلا وغير ممارس للحدث ، ولذا جعل الشرط هو أن يمارس زيد الأكل ويباشره ، وهذا بلا شك يؤكد أن نظرته لزيد غير ممارس للأكل ولم يقع منه .
أما لو قال المتكلم ( إن أكلَ زيدٌ نأكل ) فإن المتكلم هنا لم يجعل زيد معزولا عن حدث الأكل بل كان مقصده إيقاع زيد للأكل ولذا أتى بالفعل الماضي للتعبير عن هذا .
إذن في الجملة الشرطية الأولى كان المتكلم يتحدث عن زيد باعتباره غير ممارس للحدث ، وفي الجملة الشرطية الثانية كان يتحدث عن زيد باعتبار إيقاعه للحدث ، وهذان مقصدان مختلفان .
وفي الجزم بأداة ( لم ) في جملة ( لم يتحرك زيدٌ ) فالمتكلم هنا يعبر عن ذات غير ممارسة للحدث في الزمن الماضي ، فهو يخبرنا بأن زيد لم يمارس التحرك ، وهذا يعني أنه نظر لزيد منعزلا عن الحدث .
س18 : وما المقصود بالقسم الثاني والذي يقصد المتكلم فيه ممارسة الذات للحدث ؟
في القسم الأول عرفنا أن المتكلم يقصد أن الذات غير ممارسة ومتصلة بالحدث ، وهذا يعني أنه يقصد أن الحدث لا يمارَس من الذات .
أما في هذا القسم فإنه سيتطرق لممارسة الذات للحدث ويقصد عملية الممارسة حيث قيام الذات بالإجراءات التي تنتج لنا الحدث .
وسيدخل هنا بالتأكيد ( الفعل المضارع الذي لم يسبق بأداة نصب أو جزم ) فإذا قال المتكلم ( يذهب زيد ) فإنه يتحدث هنا عن ممارسة زيد للذهاب وقيامه بالمشي وكل ما يتطلبه الذهاب ، فهذا ما يعنيه وهذا ما يتحدث عنه .
أما لو استعمل المتكلم (ســ ) أو ( سوف ) في الفعل المضارع في مثل قوله ( سآكلُ بعد قليل ) فإنه هنا يرغب بالتأكيد على الممارسة ، أي أنه يؤكد أنه سيمسك بالطعام ويمضغه ويبلعه وكل ما تتطلبه عملية الأكل لتقع ، فالحديث هنا عن جزء الممارسة وممارسته للأكل تعني صناعته للحدث ، ورغم أنه فعليا لم يشرع في الممارسة ، لكن حديثه جاء في جزئية الممارسة لأنه يريد تأكيدها ،فلهذا صورها للمخاطب كي يفهم مقصده .
وفي الفعل المضارع المسبوق بالنفي في قولنا ( زيدٌ لا يأكلُ ) فإن المتكلم هنا جاء لينفي جزءا محددا ، وهذا الجزء هو ممارسة زيد للأكل ، فهو ينفي إمساك زيد بالطعام ومضغه وبلعه ... الخ ، ولأن حديثه كان عن إمساك زيد بالطعام ومضغه ... حتى يوقع عليه النفي ، فلا بد وأن يكون هذا هو ما تصوره في الأصل ليوقع عليه النفي .
وفي خبر المبتدأ في قولنا ( زيد مبتسم ) فنحن نتحدث عن ممارسة زيد للابتسام ، ولهذا فحكم الخبر ( مبتسم ) هو الرفع.
ودائما حين يقصد المتكلم جزء الممارسة فإن حكم الخبر حينها الرفع .
س19 : وما المقصود بالقسم الثالث والذي يقصد فيه المتكلم إيقاع الذات للحدث ؟
في هذا القسم لم يعد المتكلم يتحدث عن ذات معزولة عن حدث ، وحدث لا يمارس ، ولا عن ممارسة الذات للحدث ، وإنما يتحدث عن إيقاع الحدث من الذات وإصداره ، بمعنى أن المتكلم لا يود أن يخبر عن ممارسة زيد للأكل مثلاً ، بل عن إيقاع زيد للأكل ، وهذا مقصد ثالث يمكن أن يلجأ له المتكلم أثناء الكلام ، وبمجرد أن يقصد المتكلم جزئية إيقاع الذات للحدث فهذا يعني أن الحدث سيدخل في هذا القسم ، ولا يعني أن يقصد المتكلم إيقاع الذات للحدث أنها قد قامت في واقعها به ولكن مجرد أن يهدف المتكلم لهذا الجزء ، فهذا يعني أن حكمه النصب أو البناء على الفتح .
وفي الفعل الماضي ( أكلَ زيدٌ الطعامَ ) فالمتكلم هنا يتحدث عن وقوع حدث الطعام من زيد ، وإصدار زيد له في الزمن الماضي .
وهذا المقصد يتكرر ولكن في الزمن المستقبلي ففي الفعل المضارع ( يرجع ) في قول الله تعالى ( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجعَ إلينا موسى ) فعبدة العجل من قوم موسى قالوا أنهم لن يبرحوا من عبادتهم للعجل حتى يرجع موسى ، فهم يقصدون إيقاع موسى لحدث الرجوع ، فالحديث يدور حول إيقاع الحدث في الزمن المستقبلي وقيام موسى عليه السلام به حتى يبرحوا.
وما دام الحديث عن إيقاع الذات للحدث وقيامها به ، فهذا هو علة نصب الفعل المضارع بالرغم من أن موسى ساعة كلامهم لم يوقع الرجوع ، لكن الحديث دار عن إيقاعه للحدث وقيامه به ، وهذا يشبه علة البناء على الفتح في الفعل الماضي لأن المتكلم يتحدث أيضا عن نفس الشيء وهو إيقاع الذات للحدث وقيامها به .
وهذا اتجاه طفيف ومختلف في مقصد المتكلم ولكنه هو العامل الحقيقي في نصب الفعل المضارع الذي يكون في الأصل مرفوعا ، ولكن حين اختلف مقصد المتكلم منه اختلف الحكم الإعرابي .
وفي قول المتكلم في الفعل المضارع المسبوق بـ ( أن ) ( أن يأكلَ زيدٌ الطعام خيرٌ له من ازدرائه ) فلو سألنا عن ماذا يتحدث المتكلم هنا ؟ فالجواب أنه يتحدث عن قيام زيد بالأكل وإيقاعه له ، وأن هذا خير له من الازدراء ، وما دام أنه تحدث عن إيقاع الذات للحدث فهذا هو علة نصبه ، لأنه حين أراد التعبير عن قيام زيد بالأكل فيلزمه أنه تصور زيد وقد مارس الأكل في المستقبل ، لأن هذا ما يتحدث عنه وما يرغب أن يخبر به المخاطب ، أما في قول المتكلم في الجملة الشرطية ( إن يأكلْ زيدٌ نأكل ) فهو لا يتحدث عن قيام زيد بممارسة الأكل في المستقبل وإيقاعه له ، لأن الحديث لا يدور عن هذا ، ولا يريد المتكلم تصوير هذا للمخاطب ، على عكس جملة ( أن يأكلَ زيدٌ الطعام خير له من ازدرائه ) والتي أراد المتكلم فيها تصوير قيام الذات بإيقاع الحدث ليقوم بالإخبار عن ذلك بأنه خير من ازدرائه .
وفي قول المتكلم في الفعل المضارع المسبوق بـ حتى في جملة ( جئتُ حتى آكلَ ) فإن علة نصب الفعل المضارع آكل هي أن المتكلم يقصد الحديث عن إيقاع زيد للأكل في المستقبل ، والحديث عن إيقاع زيد للأكل يعني أن المتكلم تصور قيامه بممارسة الحدث في المستقبل وإيقاعه له ، وهذا الجزء يختلف عن جزء الحديث عن الممارسة ، فلم يقصد المتكلم بقوله ( جئت حتى آكل ) الحديث عن إمساكه بالطعام ومضغه وبلعه ... بل عن وقوع هذا الحدث منه في المستقبل .
وفي قول المتكلم ( لن آكلَ معكم ) فالمتكلم هنا يتحدث عن وقوع الأكل منه في المستقبل حتى ينفي ذلك ، فهو يتصور قيامه بالأكل لينفي ذلك حتى يعلم المخاطب ما هو المنفي .
وأيضاً لو قال المتكلم ( لن يكذب زيد ) فهو يتحدث عن قيام زيد بالكذب وإيقاعه في المستقبل ، لأنه بصدد نفيه ، فيفهم المخاطب بهذا ماهو المنفي ، ولو لاحظت في قول المتكلم ( لن يكذبَ ) فستجد أن المتكلم لا يتحدث عن ممارسة زيد للكذب وإنما الحديث عن إيقاعه له .
ولذلك فالنفي هنا يشبه النفي في (لا ) النافية التي ترفع الفعل المضارع في قولنا ( لا يكذبُ زيدٌ ) من حيث طريقة النفي ، فهنا نجد أن المتكلم يتحدث عن ممارسة عملية الكذب لينفيها عن زيد ، أما في قولنا مثلاً ( لن يكذبَ زيدٌ ) فالمتكلم يتحدث عن قيام زيد بالكذب لينفيها ، فالنفي نفي قيام زيد به وإيقاعه له .
وفي خبر كان وأخواتها لو قال المتكلم ( كان زيدٌ مبتسماً ) فالمتكلم يتحدث عن إيقاع زيد للابتسام وإصداره له .
وكذلك في الحال ، لو قال المتكلم ( رأيت زيداً مبتسماً ) فهو يقصد إيقاعه لحدث الابتسامة .
أما لو أراد ممارسة زيد للابتسامة فيمكنه أن يقول ( رأيت زيدا وهو مبتسمٌ ) وبهذا يتغير حكمه للرفع ، لأنه أراد الحديث عن ممارسة زيد للابتسامة ، وليس إيقاع زيد لها .
انتهى الملخص ومن يرغب في قراءة المزيد من التوضيح فيمكنه مراجعة الموقع المنشور باسم الكتاب ( الدواعي للعلامات الإعرابية )
http://alddawaei.com/