المساعد الشخصي الرقمي

اعرض النسخة الكاملة : الرباعي الفارسي .. بحث مترجم



سليمان أبو ستة
13-04-2018, 06:07 PM
هذه ترجمة متواضعة للفصل الرابع من كتاب الباحثة جوان مالينج :
The theory of classical arabic metrics
بعنوان : الرباعي، وهو وزن من الشعر عرفه العرب بمسمى عربي فارسي هو الدوبيت.
سوف أنشر فيما يلي أجزاء هذا البحث مقسمة على فقرات، وسأحاول من ثم أن أعلق على بعضها، مع العلم أنني لم أتمكن من نشر أصل الكتاب على هذا الموقع، ومع ذلك فقد جعلته مرفقا في إيميل لي ليسهل علي أن أعيد إرساله لمن يشاء من المهتمين.


الرباعي

د. جوان ماتيلدا مالينج

مما لا شك فيه أن الشكل الشعري المعروف بحق لدى العالم الغربي هو الرباعي. والرباعي ببساطة عبارة عن أربعة أشطار، تعرف بالرباعية، وقد نظمت في واحد من عدد من الأوزان الثابتة بصورة عامة (عددها أربعة وعشرون وزنا تضمهم شجرتا الأخرم والأخرب كما سنرى فيما بعد)، وحيث القافية المتبعة فيه هي من النمط: ا ا ب ا، أو بشكل أكثر ندرة: ا ا ا ا. ويعتبر أصل الرباعي موضع خلاف علمي: فهل الرباعي الفارسي مشتق من الرباعيات العربية أو التركية، أو أنه مصدر هذا الأخير؟ أهو ابتكار فارسي مستقل جديد، أم هو تطور لأشعار "البالاد" الشعبية في الفارسية الوسطى؟
ومسألة الأصل هذه تبدو شديدة التعقيد لكي يتعين الإجابة عليها بشكل حاسم هنا (ربما حتى غير ذات صلة)، لكن ثمة بعض الملاحظات حول التحليل التقليدي للرباعي والبحور الفارسية الأخرى ضمن إطار الشعر العربي، يمكن لنا إبداؤها. فعلى الرغم من أن الرباعي يكاد يكون شكلا شعريا عالميا (ماير، 1963 ، ص 1)، وبينما يبدو أنه من الصعب إثبات وجود علاقة جينية، بين الرباعي وبحر الهزج العربي، فإن هناك مع ذلك أوجه شبه رسمية بينهما لا يمكن إلا أن تكون موحية ببعض الصلة التاريخية. والسؤال الحقيقي هو ما إذا كانت أوجه الشبه هذه تعد مؤشرا على التأثير العربي في الشعر الفارسي، أم أنها مجرد أداة لفرض نظرية العروض العربي بالقوة على الشعر الفارسي. وعليه، فسوف نبدأ بعرض أشكال مختلفة من وزن الرباعي ثم نقارنها بكل من الهزج العربي والهزج الفارسي.

سليمان أبو ستة
13-04-2018, 06:17 PM
4 . 1 إن الملمح الوزني المثير للاهتمام والمميز للرباعي هو التنوع وعدم الانتظام الظاهري في وزنه، إذ أن هناك كما يقال 24 شكلا مختلفا للشطر من الرباعي، تعتبر كلها ، من حيث التفسير التقليدي للعروض، مشتقة من شطر الهزج المؤلف من أربع تفعيلات. ومعني ذلك أن وزن الرباعي يتألف من التغييرات التي تقع في التفعيلة المجردة (مفاعيلن)، أو (و س س ) في ترميزنا. فأي من هذه الأشطر الأربع والعشرين يمكن أن يجتمع مع غيره من الأشطر في رباعية واحدة (وفقا لقول ماير، ص. 6 ؛ وبلوخمان، ص. 68 ). ومعنى ذلك أن الرباعية الواحدة يمكن لها أن تتألف من أية أربعة من تلك التغييرات الأربعة والعشرين بلا تمييز . ويبقى الانتظام الواضح الوحيد من بين هذه التغييرات جميعها ممثلا بالمقطعين الأولين الطويلين بشكل دائم في شطر الرباعي.
إن مخطط الأنساق الممكنة من المقاطع القصيرة والطويلة، قد تم وصفها وعرضها بيانيا منذ القرن الثاني عشر الميلادي (ماير، ص. 5). وأما التمثيل البياني التقليدي لها، فهو في شكل شجرتين، وأحيانا دائرتين، واحدة لكل من التفعيلتين الممكنتين الأوليين. مثال لذلك الدائرتان المعروضتان بالصفحة التالية (مقتبس من جارسين دي تاسي، ص ص 340- 1). ومما لا شك فيه أن هذا الشكل من التمثيل بالعروض التقليدي كان قد صيغ بعد الدوائرالوزنية الخمس للخليل في محاولة من الفرس لدمج الرباعي في إطار الأوزان العربية القديمة، وعلى كل حال، فهناك فرق أساسي في الوظيفة. فدوائر الخليل الوزنية تعمل على التعبير عن العلاقات المتبادلة المجردة من خلال نظام البحور، بينما ليست هاتان الدائرتان للرباعي بأكثر من مجرد قائمتين بيانيتين لسلاسل من مقاطع طويلة وقصيرة فحسب. ولسوف نجد طرقا أخرى تكون فيها الأوزان الفارسية الأخرى، مثلها في ذلك مثل الرباعي، مختلفة بشكل أساسي عن الأوزان العربية. وأحد الاختلافات الأساسية هو أن تحققات كل تفعيلة في الشطر لا تكون مستقلة، بمعنى أن الخيار يعتمد على ماهية الشكل الذي يفترض أن تتخذه التفعيلة السابقة. وهذا ما هو مبيّن بوضوح في القائمة التالية المأخوذة عن ماير ص 5 :


التفعيلة الأولى ....... التفعيلة الثانية .....التفعيلة الثالثة ........التفعيلة الرابعة
ـــ ـــ ب ........... ب ـــ (ـــ) ـــ أخرب
ـــ ـــ ب .......... ب ـــ ـــ ب "
ـــ ـــ ــ ........ ـــ ـــ (ـــ) أخرم
ـــ ـــ ـــ ...... ـــ ب ـــ "
................ ب ـــ ـــ ـــ ....... ـــ ـــ (ـــ)
............ ـــ ـــ ـــ ........ "
............ ب ـــ ب ـــ ..... ب ـــ ـــ (ـــ)
......... ـــ ب ـــ ........ "
......... ب ـــ ـــ ب...... "
....... ب ـــ ـــ ....... "
..................... ب ـــ ـــ ـــ ............. ـــ
.................. ـــ ـــ ـــ ............. ـــ
............. ب ـــ ـــ ب ........ ب ـــ
............. ـــ ـــ ب ....... ب ـــ


............................جدول رقم 16
المفترض في الجدول رقم 16 أن يصف الحقائق الوزنية ذاتها حول الرباعي، مثله في ذلك مثل الدوائر الأكثر تقليدية. ولاحظ أن الجدول يتضمن فقط اثني عشر نسقا مؤلفا من تفعيلة الهزج (و س س ) بدلا من أربعة وعشرين نسقا في تلك الشطور المدرجة بدائرتين (تسميان الأخرم والأثرم) . هذا التناقض يرجع إلى حقيقة أن الخط العربي يميز بين مقطع نهائي طويل وبين آخر مديد (أي فع مقابل فاع ، فيما يسمى بالإذالة) وكلاهما ممثل ببساطة بشرطة (ـــ) في القائمة، فهي تحتسب طويلة وزنيا في تحديدنا. ونحن من الآن فصاعدا لن نعمد إلى إجراء هذا التمييز، وسنعتبر أن للرباعي اثني عشر شكلا متميزا فقط (بدلا من أربعة وعشرين).
وقبل الانتقال إلى مسألة العلاقة بين الرباعي والهزج، علينا أن نعلق على تقسيم الشطر إلى تفاعيل. ذلك أن التقسيم الذي يبدو في الجدول رقم 16 يعد مبنيا على الافتراض التقليدي بأن الهزج هو أساس وزن الرباعي. فإذا أسقط ذلك الفرض، فعندئذ يمكن تقسيم الشطر إلى ثلاث أو أربع تفاعيل (وكلاهما العدد المعتاد للتفاعيل في الشعر الفارسي) وذلك بأي عدد من الطرق. وهنا يدخل المرء في المنطقة الذاتية لشعور الشاعر أو القارئ بالإيقاع (وهو ما يصطلح روكيرت على تسميته بال taktgefuhl .
إن روكيرت (ص 377 ) يبدو راغبا باستعمال مصطلحه الإيقاعي الألماني هذا كأساس لتعيين حدود التفاعيل، وفي تقطيع الشطر على النحو التالي:
ـــ ـــ ب ب ـــ | ـــ ب ب ـــ | ـــ ب ب ـــ
حيث يمكن للمقطعين (ب ب) أن يستبدلا بالمقطع (ـــ).
وهذا التقطيع يختلف عن كل من التقطيع العربي وتقطيع ماير المقترح (انظر ص 58).
إن أحد الطرق الممكنة لحل مسألة حدود التفاعيل يمكن أن يتم بإجراء دراسة إحصائية على الرباعيات مشابهة لما قام به المستشرق جان ريبكا عام 1936 على ملحمة من وزن المتقارب مظهرة ارتباطا بين نبر الكلمة والحدود النظرية للتفعيلة. ودراسة كهذه ينبغي لها أن تشمل كلا من الشعرين العربي والفارسي المنظومين على بحر الهزج بالإضافة إلى الرباعيات لتسليط أي ضوء على المسألة. إلا أننا في الوقت الراهن سنقبل الافتراض التقليدي القائل بأن الرباعي مشتق من الهزج، وندرس النتائج ثم نقرر ما إذا كان ذلك الافتراض له ما يبرره أم لا.
وربما يكون من الجدير بالذكر هنا أن روكيرت (ص ص 65،387 ) يورد شكلا جديدا يعد الخامس والعشرين من بين أشكال التغيير في الرباعي، وهو شكل غير مدرج في أي موضع آخر:
ـــ ـــ ب ب ـــ | ـــ ب ب ـــ | ـــ ب ب ـــ ـــ
كما هو واضح عند حافظ في الرباعية رقم 655 .
وهذا التغيير بمقطعه الزائد في التفعيلة الأخيرة يبدو أكثر شبها بالهزج الرباعي (وإن لم يكن ضمن تجزئة روكيرت إلى تفاعيل).

سليمان أبو ستة
13-04-2018, 07:52 PM
من الملاحظات على عرض القسم السابق أن الجدول الذي وضعته قد انضغطت أعمدته وانكمشت كلماته ولعلي أعود إليه ثانية وأصحح كيانه، (أول محاولة لي في التصحيح فشلت !) أو ربما أكتفي بما ورد رسمه في أصل البحث.
وكذلك يبدو اعتماد الباحثة في استقاء مادة بحثها على مصادر أوروبية ، وأول من أسعفها ببحث من العروض الفارسي هو فريدريك ماير مع أن هذا لم يبد مستندا على أي مصدر فارسي قديم كالمعجم في معايير شعر العجم مثلا، والظاهر أنه كان ينوي دراسة العروض الفارسي في ثوب أوروبي حديث.
أما ما لفت انتباهي في هذا القسم فهو أن الباحثة رجعت إلى علماء آخرين، غير ماير، هو روكيرت، واهتمت بتقطيعه المغاير للرباعي. والغريب أن هذا التقطيع هو ذاته تقطيع حازم القرطاجني للدوبيت، مع أنه لم يسمع به فيما أعتقد.

سليمان أبو ستة
13-04-2018, 08:04 PM
4 . 2 . 1 في هذه الفقرة سوف ندرس الرباعي لنتعرف على الجوانب التي يماثل فيها هذا الوزن، أو يختلف عن كل من:
أولا: الهزج العربي
وثانيا: الهزج الفارسي
ونحن، لدى إجراء هذه المقارنة، نفترض أن النمط الوزني المجرد للرباعي هو نفسه ذاك الذي للهزج، باستثناء أنه رباعي التفاعيل بدلا مما هو معتاد (في العربية) بشكل أكبر، وهو الثلاثي التفاعيل. وأما النمط الأساسي لشطر الرباعي فهو:
و س س و س س و س س و س س
وبغية اشتقاق جميع الأشكال الاثني عشر للرباعي، وفقط تلك الاثني عشر، فإن علينا أن نعدل القيود المذكورة في قواعد التحقيق الخاصة بالأوزان العربية. فإذا سمحنا بتقصير الوتد في (مفاعيلن)، فإن هذه التفعيلة، ووفقا لقيد المعاقبة، سيكون لها ستة تحققات جليّة (باستثناء التحققات المشار لها بنجمة *)، وهي:)
ب ـــ ـــ ـــ ............ ـــ ـــ ـــ (56)
ب ـــ ب ـــ ........... ـــ ب ـــ
ب ـــ ـــ ب .......... ـــ ـــ ب
* ب ـــ ب ب ...... * ـــ ب ب
وفي الشعر العربي فإن التحقق السطحي لكل تفعيلة في الشطر يعد، من الناحية النظرية، مستقلا عن شكل أي تفعيلة أخرى. إنه رهن فقط بقيود من نحو المعاقبة التي تم إدماجها في جملة قواعد التحقيق. (وفي الحقيقة، فإن الشاعر لن يختار الاستفادة من كل الحرية المتاحة له في قصيدة واحدة؛ وأما الاستقلال النظري للتفاعيل فيتضح فقط حين نضع في اعتبارنا المجموعة الكاملة من الشعر وليس قصيدة مفردة). وعلى كل حال، فإن من الواضح بالنسبة للرباعي أن التفاعيل مستقلة بشكل كبير، سواء كان ذلك من ناحية نظرية أو عملية. وفي هذا الشأن فإن الرباعي يتبع التقليد الوزني الفارسي أكثر مما يتبع التقليد العربي.
وتتيح تفعيلة الرباعي الثانية جميع التحققات الستة الممكنة لمفاعيلن المجردة (و س س)، بالشكل الذي يوقف عليه بسهولة في الجدول رقم 16، حيث بإمكاننا الإفادة من قيد المعاقبة في تفسير عدم وزنية التسلسلات التالية: (ب ـــ ب ب) ، (ـــ ب ب) سواء أكان ذلك بالنسبة للرباعي أم بالنسبة للأوزان الأخرى العربية على السواء. وعلى كل حال تقتصر التفاعيل الثلاث الأخرى في الرباعي على عدد أقل من تلك التغيرات الستة بالفقرة (56). كما أن من الممكن دمج هذه القيود، وأعني الترابط بين التفاعيل الأربعة، في نظام لقواعد التحقيق للرباعي، تماما كما دمجنا قيد المعاقبة في صياغتنا لقواعد التحقيق في العربية. ولعلنا نقترح المجموعة التالية من قواعد التحقيق لتفسير جميع التغيرات في الرباعي:
1 - س س => 0 / _ ## ......... (إجباري)
2- س => ب / و (اختياري فقط في التفعيلة الثانية) (57)
- س => ب / و س _ (اختياري) 3
4 - و => ب ـــ / ب (س) # (اختياري )
5 - س => ــــ (اختياري)
6 - و => ــــ (اختياري)
تنطبق هذه المجموعة من القواعد الست على النمط المجرد:
و س س و س س و س س و س س
حيث من الممكن التحقق بسهولة من أن هذه القواعد الست يمكنها أن تولد جميع الأنساق المتميزة، وفقط الاثني عشر الواردة بالجدول رقم 16.
إن كل شطر يبدأ بمقطعين طويلين كنتيجة للطريقة التي صيغت بها القاعدتان رقما (57)، 2، 4 ، حيث تقيد هاتان القاعدتان تحقق الوتد (و) بكونه (ب ـــ)، والسبب (س) بكونه (ب). أما المقطع الأول فيكون دائما طويلا؛ لأن القاعدة رقم 4 السابقة لا يمكن لها أبدا أن تنطبق على الوتد الابتدائي (و). وأما السبب الأول (س) للتفعيلتين الأولى والثالثة، فيكون طويلا بسبب التقييد المفروض على (57)، 2 . وهذا التقييد، بلا شك، غير مبرر، ولكنه ضروري إذا كانت الحقائق الوزنية يجري وصفها من خلال إطار الهزج. ثم إن من الواضح أن الحاجة لفرض مثل هذه القيود غير المبررة، تجعل هذه المجموعة من القواعد، من بعض النواحي، أقل طبيعية من مجموعة القواعد المقترحة لتمثيل الأوزان العربية. وعندما يجب أن يفرض عدد كبير جدا من القيود على قواعد التحقيق، فعندئذ يمكن أن يكون النطاق خاطئا، وعلى العروضي وقتها أن يبحث عن تحليل آخر غيره.

سليمان أبو ستة
13-04-2018, 08:13 PM
4 – 2 – 2 : لاحظنا من خلال العمل ضمن إطار النظرية العربية التقليدية، أن التفعيلة الثانية فقط هي تفعيلة هزج نمطية تقبل جميع الأشكال الستة المختلفة من تغيرات (زحاف) مفاعيلن (و س س) الخاضعة لقيد المعاقبة. وأما التفاعيل الثلاث الأخر فهي مقيدة إلى حد بعيد، وهناك طرق أخرى لوصف نفس المجموعة من التغيرات، يلخصها ماير (ص 6) بالقول التالي:
"كما نرى، فإن مجموع القيم الكمية في جميع التوليفات مساو لعشرة مقاطع طويلة أو مورات مزدوجة (المورا = حرف متحرك أو ساكن في العروض اليوناني). ولذلك فإن عدد المقاطع القصيرة دائما ما يكون زوجيا ويتراوح ما بين ( 0 – 6 ) ، وأما عدد المقاطع الطويلة فيتفاوت ما بين العشرة والسبعة. فإذا كان لدينا عشرة مقاطع طويلة، وهو أمر نادر، فعندئذ لا يوجد ثمة مقاطع قصيرة. وأما إذا كان لدينا تسعة مقاطع طويلة، فعندئذ يجب أن يكون هناك مقطعان قصيران. ولثمانية مقاطع طوال يجب أن يكون ثمة أربعة قصار، فإذا كان سبعة طوال فلها ستة قصار. لذلك يتراوح العدد الكلي للمقاطع ما بين عشرة وثلاث عشرة. أي أن الشطر يمكن أن يتألف من 10 أو 11 أو 12 أو 13 مقطعا، فكثرة المقاطع القصيرة هي التي تشير إلى زيادة العدد الكلي للمقاطع. وكل شطر من أشطر الرباعية الواحدة يلتزم بنفس العدد من المقاطع الطويلة والقصيرة الموجود في الشطر الآخر".
وهذا القول يذكرنا بالتوصيف العربي للدوائر من حيث عدد الحروف (المورات) الواردة في التفاعيل. ثم يمضي ماير إلى اقتراح طريقة أخرى لوصف البيانات، فيقترح أن الوصف يمكن تبسيطه بتحريك أو إزالة حدود التفاعيل، والتخلي عن افتراض أن الرباعي مشتق من الهزج، نافيا بذلك أيّ علاقة تزامنية أو تأثير بين الهزج والرباعي. وهاهو يقترح أيضا (ص 6 ) التقطيع التالي الذي يعزى إلى تلميذه د. بينيديكت راينرت:
ـــ ـــ ب ب | ـــ ـــ ب ب | ـــ ـــ ب ب | ـــ (58)
ـــ ـــ ب ب | ـــ ب ـــ ب | ـــ ـــ ب ب | ـــ
حيث يمكن للمقطعين القصيرين( ب ب) أن يستبدلا بالمقطع الطويل (ـــ).
ولهذا التقطيع، تماما كما هو في إطاره العربي، نمط مجرد بسيط جدا يشكل أساسا لشطر الرباعي، هو:
(59) Xxy xxy xxy x
وقواعد التحقيق في إطار هذا التحليل، هي:
X => -
y => - أو ب ب
مضافا إليه قاعدة إضافية تسمح بالقلب المكاني للتفعيلة من: - - ب ب إلى تفعيلة تسمى (ديتروكايوس أو فاعلات) - ب - ب في موضع التفعيلة الثانية فقط.
وقد يرغب المرء في أن يجعل شطر الرباعي عشريّ النقرات، أي مؤلفا من عشرة مقاطع، حيث يتحقق في كل ثالث موضع منها مقطعان قصيران، بدلا من مقطع طويل واحد. وقد يبدو الإبدال الاختياري لزحاف (ديتروكايوس) في التفعيلة الثانية غير ذي دافع ضمن هذا الإطار، في حين أنه في إطار الهزج ، كان مدفوعا وطبيعيا، وكذلك كانت القيود على التفاعيل الأخرى بلا دوافع أيضا. ثم هناك مسألة أخرى في تساوي مقطعين قصيرين لمقطع طويل واحد، ودور هذا التساوي في الشعر الفارسي (تذكر أن الوزنين الكامل والوافر يشتقان من خلال التطبيق التالي:
س ب ب
(السبب يؤول إلى مقطعين قصيرين)
هذا التمثيل الوزني رقم 58 يحتمل أن يكون أسهل طريقة للطالب لكي يتذكر التغييرات الاثني عشرة كلها، وإذا ما اعتبر بعضهم الرباعي خارج السياق التاريخي والأدبي للشعر الفارسي ككل، فإن التمثيل رقم 58 ، يعد في رأيي مرشحا جذابا للوصف التزامني للرباعي.
وعلى كل حال، فإن ماير ينكر حتى وجود علاقة تاريخية بين الهزج والرباعي، والتي يرى أنها تطور فارسي جديد. وبعد الاتفاق على أن الفهلوي، والذي وزنه كالتالي:
ب - - - | ب - - - | ب - -
(حيث وتده الأول يمكن أن يزاحف بهذين الشكلين: - ب ، - - )
أن يكون من المحتمل اشتقاق وزنه من الهزج أو أن يكون متأثرا به على الرغم من الإقرار بعجمية تفعيلته الابتدائية، ثم يأخذ في القول (هذا القول بالألمانية غير مترجم) ...
إن التناقض الظاهري الذي يلاحظه ماير يمكن حله فقط بالنظر في الطرق التي يمكن من خلالها للأوزان الفارسية الأخرى، وخاصة الهزج المعتاد، أن تكون مختلفة بشكل أساسي عن نظائرها العربية. ويتشكك ماير بحق، في الافتراض القائل بأن قواعد العروض العربي تشكل الأساس الذي يقوم عليه الشعر الفارسي كله، ولكنه لا يمضي في شكه هذا بعيدا بما فيه الكفاية. ومن ناحية رسمية، يبدو الرباعي لي متوسطا بين الهزج العربي والهزج الفارسي. وسوف نقترح أدناه أن التطبيق الفارسي للأوزان العربية يستفيد فقط من مبدأ الكمية وليس من التغييرات الإيقاعية الدقيقة التي تبرر التحليل التجريدي للأوزان.
ويعتبر ماير الرباعي مختلفا بشكل رسمي عن الهزج العربي. لكن إلى أي مدى خارج حدود العروض العربي يمكن للتغييرات المسموح بها في الرباعي الذهاب. وعلى افتراض أن التفعيلة المجردة (و س س) تشكل أساسا لهذا الوزن، نقترح مجموعة من ستة قواعد تحقيق بالرقم (57) لتفسير التغيرات الاثني عشرة لذلك النمط المجرد. ولكن هذه القواعد الستة مشابهة في شكلها على نحو صارم لتلك القواعد المقترحة بالفصل الثالث لتفسير الأوزان العربية. وهي تختلف فقط في عدم وجود قيود مفروضة على تطبيق القاعدة : و => - (أي أن الوتد يؤول إلى مقطع طويل) في الشعر الفارسي، بينما في العروض العربي فإن قاعدة تقصير الوتد رقم (51 ) يجب تقييدها حتى تنطبق فقط على التفعيلة الأخيرة بالشطر، وفقط إذا لم تكن تلك التفعيلة هي ( و س س ). وبالتالي فإن تقصير الوتد لا يمكن أن يقع أبدا في الهزج العربي، في حين أنه يمكن أن يقع في أي تفعيلة في العروض الفارسي.
وينجم عن ذلك أن المقطع الطويل (-) في الفارسية لا يعد ذلك التحقق للوتد (و) الملحوظ للغاية كما هو الحال في الشعر العربي. وهذا يتفق تماما مع الهيمنة المميزة للمقاطع الطويلة في الشعر الفارسي. إن الرباعي لا يختلف عن الأوزان العربية في شكل قواعد التحقيق كثيرا جدا، ولكن في الطريقة التي تتفاعل بها هذه القواعد.

سليمان أبو ستة
13-04-2018, 10:03 PM
والملاحظة الأخرى التي أثارت انتباهي، هي في تقطيع باحث يدعى د. بينيديكت راينرت موافق لتقطيع ابن الفرخان الذي بناه على الرجز المكفوف (مستفعل)، وكتاب ابن الفرخان هذا ظل مجهولا حتى عند قومه من الفرس، ولعل الدكتور عمر خلوف والدكتور عبد الرؤوف بابكر السيد صاحب المدارس العروضية هما أول من تنبه إليه.
وقد حاولت الباحثة وضع أصل تجريدي لوزن الرباعي، والظاهر أن محاولتها بدت يائسة بإزاء الأصل التجريدي الواضح للدوبيت والممثل بأسباب وأوتاد للرجز والخبب أين منها وحدات مالينج المصطنعة.

سليمان أبو ستة
13-04-2018, 10:28 PM
4 . 2 . 3 : إذا كان الرباعي، بشكل رسمي، على غرار العربية، فكيف إذن يقارن بالهزج الفارسي؟ يبدو لي أن الهزج الفارسي , مثله في ذلك مثل الأوزان الكلاسيكية الفارسية الأخرى، أكثر عجمية في استعماله من الرباعي. كل تغيير على (و س س ) يقع، ولكن ثمة فرق أساسي واحد. وهو أنه بالنسبة لقصيدة ما يثبت نسق مقاطعها عند التسلسل الذي تم اختياره في بيتها الأول. كما أن دراسة أوزان الشعر الفارسي يجب أن تتضمن قائمة بسلاسل المقاطع الطويلة والقصيرة التي تحدث بدلا من قائمة بالأنماط المجردة وإلى جانبها مجموعة من قواعد التحقيق.
ومرة أخرى، فإننا بتجاهلنا للتمييز بين المقاطع الطويلة والمقاطع المديدة، نجد على الأقل أربعة عشر من هذه التعاقبات المدرجة بالقائمة رقم 17. وإذا كان النمط المجرد للهزج الفارسي هو:
و س س و س س و س س [ و س س ]
فعندئذ يمكننا أن نحدد مجموعة جديدة من قواعد التحقيق لتفسير التغيرات الموجودة بالقائمة رقم 17 :
1- س => صفر / ---- # # (اختياري) (60 )
2 - س => ب / و ---- (اختياري)
3 - س => ب / و س ---- (اختياري)

4 – و => ب --- / ب (س) # ---- (إجباري2)
5 - و = --- (اختياري)
6 – و => ب --- (اختياري)

تفعيلة 1....... تفعيلة 2........تفعيلة 3 ......... تفعيلة 4
1. ب - - - ب - - - ب - - - ب - ب -
2. ب - - - ب - - - ب - -
3. ب - ب - ب - ب - ب - ب - ب - ب -
4. ب - - ب ب - - ب ب - - ب ب - -
5. ب - - ب ب - - ب ب - -
6. - - - - ب - ب - -
7. - ب - ب - - - - ب - ب - - -
8. - ب - - ب - ب - - -
9. - - ب ب - - - - - - - -
10. - - ب ب - - ب ب - - ب ب - -
11. - - ب ب - - ب ب - - -
12. - - ب ب - - ب ب - -
13. - - ب ب - ب - ب - - -
14. - - ب ب - ب - ب - -
جدول رقم 17
تغيرات الهزج الفارسي
وبالإضافة إلى ذلك، يبدو مبدأ التوازي فعالا، وعليه فإن قاعدة التحقيق المعينة تميل إلى أن تنطبق إما على كلا التفعيلتين الفرديتين (ف1، ف3) أو الزوجيتين ف2، ف4). وأما مجموعة القواعد المنصوص عليها بالفقرة 60 فتعتبر، من جوانب عدة، مماثلة لتلك المعطاة بالفقرة 57، لكنها أقل ملاءمة في توصيفها للوزن الذي يفترض أن تأتي تفسيرا له. إن نظاما من القواعد، من نحو تلك التي بالفقرة (60)، ليؤكد على أن كل وحدة وزنية من سبب (س) ووتد (و) وشطر (ش)، تتحقق من ناحية نظرية بمعزل عن تحقق الوحدات الوزنية الأخرى، بمعنى أن المرء لا يحتاج إلى وضع قيود على تطبيق قواعد التحقيق من النوع التالي: "إذا كانت القاعدة أ تنطبق على الوحدة س ، فإن القاعدة ب يجب أن تنطبق على الوحدة ص".
وهذا يصح بشكل يكاد يكون كليا في الشعر العربي ، ولكن ليس في الشعر الفارسي. فالتفعيلة الأولى في كل من الهزج الفارسي والعربي تظهر جميع التحققات الستة للتفعيلة المجردة ( و س س ) الواردة بالفقرة رقم (56)، ولكن التفاعيل الأخرى في الفارسية محدودة على نحو صارم جدا حتى أنه لا يحدث منها إلا أربعة عشر نسقا متميزا فقط. وأما مجموعة أشطر الهزج الممكنة نظريا، والتي يمكن توليدها من خلال القواعد في الفقرة (60)، فهي بوضوح أكبر بكثير من أربعة عشر . حتى إذا افترضنا أن الوتد (و) في التفعيلات غير الابتدائية دائما ما يكون (ب --)، ويسمح فقط للسبب (س) بالتغير، فإننا نتوقع على الأقل 6.3.3.3 = 162 تغييرا (زحافا) ممكنا في تفعيلات الهزج الرباعي، أو 6.3.3 = 54 تغييرا ممكنا للهزج الثلاثي.
كم تغييرا يحدث فعليا في الشعر العربي؟ لا أدري، ولكن من المؤكد أنه أكثر بكثير من أربعة عشر!
إن الهزج الفارسي مختلف بشكل أساسي عن كل من الهزج العربي والرباعي بأسلوب آخر: فنسق المقاطع الطويلة والقصيرة يعد ثابتا بشكل مطلق في كامل القصيدة (ووفقا لريبكا، فإن هناك صنفين من الهزج يشتملان على موقع أو موقعين حرين، ولكن حتى هذه الإمكانية تعتبر مقيدة بدرجة أكبر بكثير مما عليه الأمر في العربية). والرباعي يسمح باتحاد أنواع مختلفة من الأشطر، فأما الأوزان الفارسية الأخرى، فلا . وأما ملاحظة ماير بأن الرباعي مبني فقط على المبدأ العربي للشعر الكمي وليس على وزن عربي خاص، فهي على أقل تقدير ملاحظة تصدق على الأوزان الفارسية الأخرى. والشعر الفارسي الكلاسيكي كمّي مثل الشعر الكلاسيكي اليوناني واللاتيني. والأوزان الفارسية مرتبطة بنظائرها العربية بطريقة سطحية فقط؛ ففي الفارسية يعد الوتد مجرد بناء مصطنع. وقد درس الشعراء الفرس وقلدوا الأوزان العربية التقليدية والقواعد العروضية، ولكن يبدو أنهم إما قد فشلوا في فهم هذا التحفيز الإيقاعي الدقيق، أو وجدوه غير ملائم للفرس، للتمييز بين السبب والوتد.(عبرت عنه جيه. ميريديث – أوينز بهذه الطريقة: السمة الأبرز للنظام العروضي كما تبناه الفرس هو التركيز الذي انصب على الكمية ، وهو ما يمنح الشعر الفارسي نغمة خاصة به حتى صار من الأسهل على الأذن تقديرها، والإيقاعات الأكثر خفاء في الشعر العربي غير مألوفة).
ومن المؤكد، أن الشعر قد نظم، ويمكن أن ينظم، على البحور العربية الستة عشر جميعها، ولكن في الواقع فإن العروضيين الفرس زادوا على هذه القائمة أربعة عشر وزنا، منها اثنان لإكمال الدائرة الأولى، وثلاثة لإكمال الدائرة الرابعة، بالإضافة إلى دائرة جديدة، ولكنها ذات صلة بتسعة أوزان، ولها وتدان مفروقان بدلا من واحد. وهذا يدل على أنهم استوعبوا وأفادوا من المستوى التجريدي للأوتاد والأسباب في النظرية. وأما من الناحية العملية، فإن هناك مزيدا من القيود قد أضيفت على الجمع بين التفاعيل المختلفة وعلى تفاوت مقاطع السبب، حتى ضمن القصيدة المعينة يصير كل شطر أو بيت، مثل غيره تماما. وبهذه الطريقة يضيع الحافز الرئيسي للمستوى التجريدي للأوتاد والأسباب في الشعر الفارسي. وقد جرى الحفاظ على النظرية العربية للنظم كجزء من التقاليد الوزنية، غير أنها باعتبارها وصفا للشعر الفارسي، تعد غير حقيقية ومصطنعة. ومن الناحية التاريخية ، لا يوجد أدنى مجال للشك في أن الأوزان الفارسية كانت قد استعيرت من العربية، إلا أن تحليلا داخليا متزامنا للشعر الفارسي يمكن له أن يستغني تماما عن مفهوم الوتد/ السبب ويتخذ شكلا (أشبه بالأوزان اليونانية ) لا تستخدم فيه الأسماء العربية التقليدية إلا في تعيين أنساق محددة من المقاطع الطويلة والقصيرة، وليس ما يقابلها على المستوى التجريدي من الأوتاد والأسباب.