نزهة في رياض بحر المتدارك
بحر المتدارك ، مثل غيره من البحور الشعرية ، له أشكال متعددة ، ولكنه فاق غيره من البحور بتعدد أسمائه ، فهو المتدارك ، والخبب ، وركض الخيل ، والمُحدث ، والغريبُ ، والشقيق ، والمتقاطر ، والمتداني ، والمتسق ، وغيرذلك ، ولكن أكثر أسمائه جريانا على الألسنة هي الخبب والمحدث والمتدارك على الترتيب .
وقد شك حازم القرطاجني * في أن الخبب من وضع العرب ، وتفاعيله عنده :
مُتـَفاعِلـَتـُن مُتـَفاعِلـَتـُنْ ( في كل شطر)
المفتاح الذي وضعه صفي الدين الحِلـّي لهذا البحر :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
حرَكاتُ المُحْدَثِ تـنـتَـقِـلُ = فـَعِلـُنْ فـَعِلـُنْ فَـَعِلـُنْ فـَعِـلُ[/poem]
أما الباحث والأديب والشاعر الفلسطيني المعاصر " محمود مرعي " ** فقد وضع له مفتاحين :
المفتاح الأول يُظهر تفاعيل البحر على أصلها :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أدرَكَ الشَّعرَ مَن بالخليل ِاقتدى = فاعِلـُنْ فاعِـلـُنْ فاعِـلـُنْ فاعِـلـُنْ[/poem]
المفتاح الثاني يُظهر جميع أشكال تفاعيله :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
في المُتَدارَكِ الوزنُ العَجَبُ = فاعِـلُ فاعِلـُنْ فـَعْـلـُنْ فـَعِـلـُنْ[/poem]
وقد نُسِبت إلى الخليل أشعارعلى وزن الخبب للتدليل على أنه عَرف هذا البحر على قول البعض ، وعلى قول البعض الآخر أن الخليل عرفه ولم يذكره أو أنه لم يعرفه ، ولذلك قالوا : إن الأخفش ( سعيد بن مسعدة ) هو الذي استدركه على الخليل ، ولهذا سُمّي بالمتدارك . بالنسبة لي ، أنا كاتب هذه الكلمات ، أميل إلى قول من قال أن الخليل عرفه ، ليس لأنهم رووا عن الخليل أبياتا منه ، إذ ربما نسبوا تلك الأبيات إليه بقصد الانتصار لذلك العالم الفذّ والتدليل على معرفته له ، ولكني أستبعد ، بل أرى من شبه المُحال أن يكون الخليل قد جهل هذا الوزن الذي عرفته الإبلُ بله الحُداةُ من الناس على مر العصور. وإليكم بعض الأبيات التي قيل أنها للخليل :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
سُئِلوا فأبَوْا فلقدْ بخلوا = فلبِئسَ لعَمرُكَ ما فعلوا
أوَقفتَ على طلل ٍ طرَباً = فشجاكَ وأحزَنكَ الطللُ[/poem]أما إهمال الخليل لهذا البحر فإنه ، ربما ، يعود لأحد أمرين ، أولهما : أن هذا الوزن ليس من أوزان العرب كما قال حازم ولهذا السبب أهمله الخليل ، وثانيهما ، وهو الأهمّ : أنه رأى أن وزن هذا البحر يتردد على ألسنة العامة في الحداء ، ولم يجد من أشعار العرب الفصحاء ما يمكن ان يكونوا قد نظموها عليه ، ولهذا أهمله ، والله أعلم بالصواب . وأورد لكم هنا اقتباسا مما قاله أبو العلاءالمعري في رسالته التي سمّاها :" الصاهل والشاحج " عن بحر المتدارك. يقول المعري : " ولولا أن الوزن الذي يسمى ركض الخيل وزن ركيك...... ، ولكنه وزن هجرته الفحول في الجاهلية وفي الإسلام ." ، ويتضح من كلام المعري أن وزن المتدارك كان معروفا في الجاهلية ، وهذا يؤيد معرفة الخليل له . أعود ، الآن ، إلى الأمر الأول الذي ذكرتُهُ آنفاً لعل فيه بعض الفائدة ، فأقول ، وبالله أستعين :
من المعروف أن لغير العرب أشعارا وأوزانا ، ومن اولئك ، الفرس الذين اتصلوا ، منذ بداية دولة العباسيين على وجه الخصوص ، بالعرب اتصالا وثيقا ، ومن المعروف أيضا ، أن بحر السلسلة أو الرباعي وهو ما سُميَ عند الفرس بالدوبيت(دو=2 ، بيت = بَيْت ) أي أنه لا ينظم عليه أكثر من بيتين ، قد نظم عليه العرب أشعارا من صنف الرباعيات في مواضع مخصوصة أهمها الغزل ، واللوعة من صدود الإحبة أو فراقهم ، وهم يعرفون أنه فارسي ، لكنه لم يشع شيوعا كبيرا في العربية ، ولو انه ما زال مستعملا في الكويت ، والبحرين ، وعُمان حيث ينظمون عليه الأغاني والأشعار ، وإليكم وزنه عند حازم :
مُـسـتـَفْـعِـلـَتـُنْ مستفعلن مستعلن ( في كل شطر)
وذكر غيرُ حازم وزنه كما يلي :
فـَعـْلـُنْ مُتـَفاعِلـُنْ فـَعولـُنْ فـَعِلـُنْ (في كل شطر)
ومن الأمثلة عليه :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
نفسي لكَ زائراً وفي الهجر فِدا = يا مؤنسَ وحدتي إذا الليلُ هدا
إن كان فراقـنا مع الصـبح بـدا = لا أسفـَرَ بـعـد ذاكَ صـبحٌ أبـدا [/poem]
ومن شعر ابن الفارض :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ما أحسنَ ما بُلبِلَ منه الصَّدغُ = قد بلبَلَ عقلي وعذولي يلغو
ما بتُّ لديغا من هواه وحدي = من عقربه في كل قلبٍ لدْغ ُ[/poem]ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعد هذا الاستطراد الذي أرجو ان يكون ممتعا ، أعود إلى أصل الموضوع فأقول :
ذكرت كتب العروض أن تفاعيل المتدارك يدخل عليها الخـَبـْنُ ( فاعلن تؤول إلى فَـَعِلـُنْ ) ، والتشعيث والقطع(فاعلن تؤول إلى فَـَعْلـُنْ ) ، والجَبُّ (فاعلن تؤول إلىفاعِلُ،في الحشو ) ،والتذييل( فاعلن تؤول إلى فاعِلانْ ) ،والترفيل ( فاعلن تؤول إلى فاعلاتُنْ ) .
أما أشكال المتدارك فهي تسعة أشكال :
1ـ العروض الصحيحة والضرب الصحيح
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
الصديق الصدوق الذي يُرتجى = في الملمّاتِ قد لا يُرى في المَلا
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن = فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن[/poem]2ـ العروض المخبونة والضرب المخبون
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ساهما في بساط من الدُّرَر = غارقا يجتلي روعة الصُّوَر ِ
فاعلن فاعلن فاعلن فَـَعِلـُنْ = فاعلن فاعلن فاعلن فَـَعِلـُنْ [/poem]3ـ العروض المخبونة والضرب المقطوع
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
واعْمُرْ بالخير مواسمَنا = واملأ ْ بالعزِّ خوابينا
فـَعْـلـُنِْ فـَعْلـُنْ فـَعِلـُنْ فـَعِلـُنْ = فـَعْـلـُنْ فـَعْـلـُنْ فـَعِلـُنْ فَـَعْـلـُنْ[/poem]
4ـ العروض المجزوءةالصحيحة والضرب المجزوء الصحيح
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إن يكن خطبُنا ذا ألَمْ = فـَلأَكُنْ صابراً للألَـَمْ
فاعلن فاعلن فاعلن = فاعلن فاعلن فاعلن[/poem]
جاءت جميع تفاعيل البيت سالمة ، ولا يُشتَرط ورودها سالمة في الحشو .
5ـ العروض المجزوءة المخبونة والضرب المجزوء المخبون
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا حكوماتُ يا دُوَلُ = نحن بالدَّمِّ نغتَسِلُ
فاعلن فاعلن فـَعِلـُنْ = فاعلن فاعلن فـَعِلـُنْ[/poem]6ـ العروض المجزوءة المخبونة والضرب المجزوء المقطوع
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ما عَلِمْنا بمصرَعِهِ = أوْ عَلِمْنا من القاتلْ
فاعلن فاعلن فـَعِلـُنْ = فاعلن فاعلن فـَعْلـُنْ[/poem]دخل القطع على الضرب فبقيت التفعيلة " فاعِلُ " وتُقرأ " فـَعْلـُنْ " .
7ـ العروض المجزوءة المخبونة والضرب المجزوء المُذيّل
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أقفَرَ الروضُ لا غَر ِدٌ = فوقَ أغصانهِ بالنشيدْ
فاعلن فاعلن فـَعِلـُنْ = فاعلن فاعلن فاعِلانْ[/poem]8ـ العروض المجزوءة المخبونة والضرب المجزوء المُرَفـَّل
نفس الشكل السابق ولكن بتحريك كلمة " النشيدْ " لتصبح " النشيدِ " .
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أقفر الروضُ لا غَر ِدٌ = فوقَ أغصانه بالنشيدِ
فاعلن فاعلن فـَعِلـُنْ = فاعلن فاعلن فاعِلاتـُنْ[/poem]9ـ التشعيث في التفاعيل كافة ، والقطع في العروض والضرب
من نظمٍ منسوب إلى الخليل :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
هذا عمْروٌ يستعفي من = زيدٍ عند الفضل القاضي
فـَعْـلـُنْ فـَعْـلـُنْ فـَعْـلـُنْ فـَعْـلـُنْ = فـَعْـلـُنْ فـَعْـلـُنْ فـَعْـلـُنْ فـَعْـلـُنْ[/poem]
هذه هي الأشكال التسعة نقلتها لكم مع أمثلتها من كتاب " العروض الزاخر واحتمالات الدوائر" وأتوجه بها إلى هواة القريض وأعاريضه ، وعلى وجه الخصوص هواة النظم ،أمثالي ، ليكونوا على بينة من أوزان أشكال المتدارك المتعددة حتى تكون لهم نبراسا يهتدون بنوره .
تذكرت ، الآن ، نفسي عندما كنت صبيا وانا أنصت إلى معلم اللغة العربية وهو يُسمع التلاميذ الأبيات التالية ليوضح لهم أحد أشكال المتدارك المشهورة ، وهو الشكل التاسع أعلاه ، فيأخذ ينشد ، والتلاميذ يضحكون فرحين ، ما يلي :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عَجَبٌ عَجَبٌ عَجَبٌ عَجَبُ = قِطط ٌسودٌ ولها ذَنَبُ[/poem]
والبيت :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عَدَسٌ عَدَسٌ عَدَسٌ عَدسُ = وبه الأولادُ لقد غـَطـَسوا[/poem]وأذكر أن المعلم قال لنا أن البيت الثاني من نظم أمير الشعراء أحمد شوقي . ومازلت أذكر أيضا الأبيات التالية من كتاب العروض المقرر حينذاك كشواهد على بعض أشكال المتدارك :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
جاءنا عامرٌ سالماً صالحاً = بعد ما كان ما كان من عامر ِ
نادى قلبي طوعا حسبي = دمعي قاني مثل العندم
ضُربت كرة بصوالجةٍ = فـتـلـقـفـها رجُـلٌ رجُـلُ[/poem]ومن المعروف أن لأمير الشعراء أكثر من قصيدة من المتدارك منها هذه القصيدة الجميلة ، التي منها الأبيات التالية :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
مُضناكَ جفاهُ مَرقدهُ = وبَكـاهُ وَرَحَّــمَ عُــوَّدُهُ
حيرانُ القلبِ مُعَذَّبُهُ = مقروحُ الجفن مُسَهَّدُهُ[/poem]ومنها :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
الحُسْنُ حلـَفْتُ بيوسِـفِهِ = والسّـورَةِ أنّـكَ مُـفرَدُهُ
بيني في الحب وبينك ما = لا يـقـدرُ واش ٍيـُفسدهُ
ما بالُ العاذل يـفتحُ لـي = بابَ السّلوان وأوصدهُ
ويـقـولُ تـكادُ تـُجــَنُّ بـهِ = فأقولُ: وأوشك أعـبُدهُ[/poem]الله الله على هذه المعاني الجميلة ، ولو أنها على وزن لم يسلم من سخرية المعري وإهمال من سبقوه كما قال . وقد لحن عبد الوهاب هذه القصيدة وغناها على نغمة عربية أصيلة يعرفها من له إلمام بالموسيقى ومقاماتها ( سلالمها الموسيقية ) ألا وهي نغمة " الحجاز" ، وحتى أبـيـّنَ لـمن لا يعرف هـذه النغمة العربية كيف هيَ ، أذكّره بالأغنية العراقية الشعبية القديمة المعروفة " فوق النَّخَل " أو" فوق إلنا خِلّ " على خلاف في ذلك . إن نغمة هذه الأغنية هي نغمة الحجاز تماماً .
ومن المعروف أيضا أن أمير الشعراء كان لا يؤمن بأقوال السابقين الذين اعتبروا بعض البحور كالخبب والرجز أنها دون غيرها من البحورفي الرتبة والمنزلة ، فكان يعتبر أن مقدرة الشاعر هي في الإبداع في المضمون ، وليس للوزن ، بحد ذاته ، دخل كبير في جودة النظم ، إلا انه من المؤكد أنه كان يعلم ، وهو أمير الشعراء ، أن اختيار الوزن يتم أيضا تبعا للمضمون ومعانيه .
ولي أبيات على المتدارك على لسان غريبٍ عن وطنه ، وهاكم بعضها :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
الـبـلـبـلُ يـصـدحُ بالـشَّـجَن ِ = لألـيـفٍ غـابَ عـن الـفـَنـََن ِ
وصُـداحُ الـبـلـبـل يُحـزنني = ويـُثـيـرُ حـنـيـني لـلـوطــن ِ
وطني أحببتك من صِغـَري = وإلـى كِـبـََري وإلـى كـفـَني
مـا أسعـَدَ يـوماً أرجـع فـيـ = ـهِ إلى بـلـدي وإلـى سكـني [/poem]ويمتاز هذا الشكل من المتدارك بشعبيته بين الناس وسهولة حفظه من قِبل الناشئة .
ومن الشعراء المعاصرين الذين مارسوا القول على وزن المتدارك الشاعر الشهير نزار القباني ، ومما قال :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إني خيرتـُكِ فاختاري
ما بين الموتِ على صدري
أو فوق دفاتر أشعاري
اختاري الحبَّ او اللاحبَّ
فجبنٌ ان لا تختاري
لا توجد منطـقة وسطى
ما بين الجنة والنار.....الخ[/poem]وإن لم اكن مخطئا فقد غنى هذه القصيدة المغني المعروف كاظم الساهر. أما أنا فلم أتفق مع أفكار الشاعر في قصيدته ، حيث اتضح لي أنه يحث الفتاة على الخروج على الأعراف والتقاليد الحسنة بل ربما على الأوامر الشرعية حين يقول :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
الحُبُّ مواجهة كبرى
إبحارٌ ضد التيار
ثم يقول :
إني لا أومنُ في حبّ ٍ
لا يحمل نزقَ الثوار
لا يكسر كل الأسوار....الخ[/poem]عند هذه المرحلة من القصيدة تذكرتُ ما روته كتب السيرة من ان السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ عندما أوعزت إلى إحدى معارفها من النساء ، لا أتذكر اسمها الآن ، أن تعرض رغبتها بالزواج من سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكان ذلك قبل بعثـتِه طبعا ، والقصة معروفة ، ولكن ما اقصد قوله أن أقصى حد مسموح به هو التلميح عن طريق وسيط وليس أكثر ، وما على الفتاة إلا ان تظل جوهرة مكنونة في بيتها حتى يأتيها نصيبها . بسبب ما قلته آنفا خطر لي ان أعارض القصيدة النزارية بنفس وزنها وقافيتها ولكن بمضمون مُغاير ، فأقول :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=3 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
اختاري لا لا تحتاري
فالحيرة تحرقُ كالنّار ِ
إن أحسستِ بخفـْق ِ القلبِ
يُحاكي نـَغـَماً لِهَـزار ِ
وهمى الدمعُ على الخدّين ِ
غزيراً مثل الأمطار ِ
وغدوتِ من النوم ِ على
جفوةِ سَهّادٍ سَهّار ِ
فهناك غرقتِ بعطر الحبِّ ّ
وغـُصْـتِ ببحر الأقدار ِ
***
كوني في الحُبِّ على حذر ٍ
من غدر ِ خبيثٍ مكّار ِ
لا يقصدُ إلا تسليةً ً
أو وعدَ كذوب ٍغدّار ِ
إيّاكِ وهذا المتواري
من خلفِ قِناع الأخيار ِ
***
ما مـثـلـُكِ إلا جوهرة
يأتيها الخاطبُ للدار ِ
يسعى للعـفـّةِ والإحصان ِ
ويسلكُ دربَ الأطهار ِ
ولـْيَسْكـُنْ حُبٌّ في قلبين ِ
ولا يخشى خِزيَ العار ِ
***
دارت أحلاميَ في أمسي
سَبَحتْ كالفلكِ الدّوار ِ
هـبَّـتْ نَسَماتُ الشعر ِعلى
جرح ٍ في عُـمق ِ الأغوار ِِ
تجتاحُ فؤادي حُـرقـتهُ
ويؤرّقُ ليلي ونهاري
من عهدِ شبابٍ قد ولـّى
فـَهَمَمْتُ البَوْحَ بأسراري
***
ما حيلة ُ قـلـبٍ يتوارى
حُزناً من خلفِ الأسوار؟
إلا أن يطرقَ بابَ الشعر ِ
يُغذي سَـيْـلَ الأفكار ِ
في الشعر أرى حُسْنَ عزائي
ودخيلة َنفسي وقراري [/poem]ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبما أن هذا الشكل من المتدارك ذو إيقاع يمكن أن يكون سهل التناول لأهل الموسيقى عند تلحين القصائد والأغاني ، فأظن أن القباني هدف إلى ذلك ، لأنه كان على علاقة مع أهل التلحين مثلما هو معروف .
ومما جاء على المتدارك من الأزجال والأشعارالشعبية :
يا حماماً بـِروسَ العلالي يـِصيحْ = ما بَظنّ الـْحِـبَـيّبْ يفارق صحيحْ
ــ ب ــ / ــ ب ــ / ــ ب ــ / ــ ب ــ ه = ــ ب ــ / ــ ب ــ / ــ ب ــ / ــ ب ــ ه
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلانْ = فاعلن فاعلن فاعلن فاعلانْلاحظوا التذييل في العروض والضرب . المثال السابق معروف في الأردن وفلسطين على أقل تقدير
ومن الجدير بالذكر أن الزجالين في بلاد الشام ،وضعوا لأزجالهم بحورا بأسماء تختلف عن أسماء البحور الخليلية مع أن كل أشعارهم ، إن دققنا فيها ، لا بد وأن تعود إلى اوزان الخليل . بالنسبة للمتدارك فقد سمّوْه باسم " المتوازي " . قال قائلهم :
بـالـمِـتـْوازي ضـاعـوا دْروبـي = ويـشـا سـاوي يـا مـحـبـوبــي ( يعني إيشْ أعملْ؟ )
ــ ــ / ــ ــ / ــ ــ / ــ ــ = ــ ــ / ــ ــ / ــ ــ / ــ ــ
فـَعْلـُنْ / فـَعْلـُنْ / فـَعْلـُنْ /فـَعْلـُنْ = فـَعْلـُنْ / فـَعْلـُنْ / فـَعْلـُنْ /فـَعْلـُنْ وبدلا من كلمة " المتوازي " في البيت التالي نضع كلمة "المِدّاركْ " :
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
بـالـمُـدّاركْ غـنّـى الـريــحْ = سِمْعُه الديكِ وْ صار ِ يْصيحْ
وْمِنْ دغشِهْ قام ِ الزغلولْ = فـي الـطـّاقـَهْ يْسـبّحْ تِسبـيحْ[/poem]جربوا ان تقطعوه عروضيا فسوف تجدونه المتدارك بلحمه ودمه . أما كلمة (دغشه) ، وأظنكم تعلمون ، فأصلها في معاجم اللغة : الدّغَشُ والدُّغشة ُالوقت المبكر قبل طلوع الشمس .
وفي مصر نجد غناء الشكل التاسع من المتدارك شائعا بمصاحبة آلة موسيقية يدعونها السمسمية.
أعزائي أعضاء وضيوف "الفصيح" :
بقي عندي قدر لا بأس به أكتبه أو أنقله لكم عن المتدارك ، ولكن ما كتبتـُهُ ونقلته بلغ حدّالإطالة ، وأخاف من الملالة ، ولكني ، إن قدّر الله ، تعالى ، لي من العمر بقية ، ورأيتُ منكم رغبة في نزهات اخرى في بحور خليلية أخرى ، فسوف أقوم بصحبتكم في رياضها ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القرطاجنّي ــ حازم / منهاج البلغاء وسراج الأدباء / ط 3 / دار الغرب الاسلامي /بيروت / 1986
**المعلومات في هذه المقالة مأخوذة ، في معظمها ، من كتاب :
(العروض الزاخر واحتمالات الدوائر) ، لمؤلفه الأديب والشاعر والباحث الفلسطيني المعاصر الأستاذ " محمود مرعي " من فلسطينيي الأراضي المحتلة سنة 1948م.
تم نشر الكتاب في طبعته الأولى 1424هـ / 2004م
الجزء الباقي من المعلومات هو من أفكاري ومحفوظاتي عبر السنين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
أبو أحمد ( ياسين الشيخ سليمان )
فلسطين