أعزائي
نتواصل معكم وبكم في حوارنا مع شخصية من شخصيات هذه الشبكة الفاعلة
ومع عضو مبرز ترك أثره جليا من خلال موضوعات أثارها ويثيرها بحضوره
ولا نطيل عليكم أعزائي فنسرف في تقديمه ، بل نترك الأمر له ليقدم نفسه
-عبد الرحمن السليمان ، في البداية نود لو أطلعتنا على بطاقتك الشخصية
• في البدء أخي الكريم أشكرك وعني فأنا عبدالرحمن السليمان، سوري الأصل بلجيكي الجنسية. أعمل أستاذا للغة العربية في معهد ليسيوس العالي للترجمة/الجامعة الكاثوليكية في لوفان، ومترجما تحريريا وشفهيا، ومستشاراً لدى الحكومة البلجيكية.
ولدت سنة 1962 في مدينة حماة في سورية، وأتممت فيها تعليمي الثانوي. غادرت سورية سنة 1979. وبعد إقامة مضطربة في عدة أقطار عربية مجاورة لسورية دامت حوالي السنة، غادرت الوطن العربي إلى اليونان حيث أقمت مدة خمس سنوات ونصف درست خلالها الأدب اليوناني القديم والفلسفة. بعد حصولي على الماجستير سنة 1985، غادرت اليونان إلى بلجيكا حيث انتهى بي المطاف. درست في بلجيكا الآداب السامية في جامعة غاند وتخصصت في الأدب العبري والتاريخ اليهودي، وحصلت منها على الماجستير سنة 1991 ثم الدكتوراة سنة 1995.
عملت سنة 1992 مدرساً لمادة التربية الإسلامية في إحدى الثانويات البلجيكية. وفي سنة 1994 انتدبت للعمل مستشارا لدى الحكومة البلجيكية، إلا أني تركت العمل بعد ثلاث سنوات لصعوبة التأقلم مع ظروف العمل السياسي، فحصرت من وقتها نشاطي المهني بالتدريس والترجمة والاشتغال بالثقافة. وأعمل منذ 1999 أستاذا زائرا في كلية الأديان المقارنة في أنتورب أيضا حيث أدرّس مادة التاريخ الإسلامي، ومستشارا لوزارة الثقافة البلجيكية. وفي سنة 2004شاركت رفقة بعض الزملاء في تأسيس الجمعية الدولية للمترجمين العرب http://www.wataonline.net ولا أزال أعمل في مجلس إدارتها. كما أنني عضو في شبكة الفصيح وفي جمعية الترجمة العربية وحوار الثقافات، وفي بعض الجمعيات الأكاديمية والثقافية في بلجيكا وهولندة.
- بما أنك أحد المشتغلين بالترجمة من لغتك الأم إلى لغات حية كالإنجليزية والفرنسية ، هل ترى أن ثمة ما يعوق ترجمة النص العربي – أيا كان – إلى لغات أخرى؟
• لا يوجد ما يعيق ترجمة النصوص العربية العامة من العربية وإليها إذا كان المترجم متمكنا من اللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها وكذلك من ثقافتيهما. أما بالنسبة إلى الترجمة الأدبية، فهذه تتطلب مهارات خاصة.
-عابد خازندار، ناقد عربي استوطن فرنسا لسنوات عدة، له مقولة مفادها أن ترجمة النص الإبداعي تقتل إبداعيته ! كيف تعلق على مسألة كهذا؟
• إن هذه المقولة خاطئة و صححية في آن واحد. خاطئة لأن هنالك ترجمات أدبية مشهورة أتت أجمل من أصولها بكثير، مثل ترجمة كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، ومثل ترجمة الفرنسي غالاند لكتاب ألف ليلة وليلة إلى الفرنسية ... وصحيحة بالنسبة لترجمة الشعر العربي إلى اللغات الأجنبية، خصوصا عندما يترجمه مترجم لا يفقه في الشعر.
إن الانسان قد يتعلم كل علوم الترجمة إلا الترجمة الأدبية لأنها لا تتعلم بحد ذاتها بل تأتي نتيجة لموهبة أو لتراكمات ثقافية لدى المترجم، بالإضافة إلى إتقان اللغات ومعرفة الثقافات والتجربة الذاتية. إنها ترجمة تحتاج إلى تدريب مستمر ومنهج دراسي واسع وتذوق مستمر أيضا للأدب بالإضافة إلى اتقان اللغة وربما الموهبة.
- نشط حقل الترجمة منذ العصر العباسي، وأصبح ميدان الترجمة واسع الأفق خصوصا فيما يتعلق بالفكر والفلسفة والعلوم التطبيقية كعلم اللسانيات. ترى هل استطاع النص العربي أن يثبت وجوده كنص مترجم على المشهد الثقافي الراهن؟
• الجواب: لا. والسبب: عدم اهتمام أية مؤسسة ثقافية عربية في نشر الثقافة العربية في الخارج. والذي نراه اليوم هو حضور قوي لكتاب ومفكرين عرب صاروا يكتبون باللغات الأجنبية ويؤثرون في المشهد الثقافي العالمي ويحدثون حراكا ثقافيا مثل الأديب أمين معلوف والمفكر محمد أركون وغيرهما.
- "الفرانكفونية"، مصطلح كما تعرفه عزيزي هو الكتابة العربية في ظل المحيط الفرنسي. أو هو بتعبير آخر يشمل الكتاب العرب الذين يكتبون أعمالهم – وأخص الإبداعية هنا – باللغة الفرنسية. كيف تفسر ظاهرة كتلك؟
• هذه ظاهرة صحية جدا بالنسبة إلى العرب الذين نشؤوا في فرنسا، وغير صحية بالنسبة إلى الذين يعتقدون أنهم بكتابتهم بالفرنسية أو بالإنكليزية يكونون جزءا من الحداثة والمعاصرة، لأن الحداثة ليست لغة.
_ هل يعني هذا هجرة المثقف العربي جسدا وإبداعا؟
• لا أظن ذلك. أما الكاتب العربي المقيم في دولة عربية والذي يكتب بالإنكليزية ليتعولم، فهذا اغتراب لا عولمة ولا حداثة. واغتراب من هذا النوع، في رأيي، جريمة دينية وقومية وإنسانية.
- (الأنا والآخر) إشكالية منذ ظهور الغربي على الراهن الثقافي؛ هل ما تزال هذه الإشكالية قائمة على قدم وساق؟
• نعم، والسبب هو أن الغربي يستثمر في لغته وثقافته، بعكس الشرقيين والعرب. ولكل مجتهد نصيب
في بلجيكا ـ على سبيل المثال ـ ثلاث لغات رسمية، الهولندية والفرنسية والألمانية. واللغتان الرسميتان في بروكسيل وما إليها هما الهولندية والفرنسية. منذ عشر سنوات سقطت الحكومة البلجيكية بسبب رفض عمدة قرية في محيط بروكسيل ـ كان يفترض فيه أن يكون ملما باللغتين الرسميتين للمدينة ـ عقد زواج باللغة الهولندية. قامت الدنيا ولم تقعد إلا بسقوط الحكومة وإقالة العمدة من منصبه!
واليوم نرى في الأمم المتحدة محاولات لإخراج العربية منها بصفتها واحدة من ست لغات عالمية معتمدة في مداولات الأمم المتحدة. لماذا: لأن أهلها باتوا يسقطونها من حساباتهم لدى تعاملهم مع الآخرين؛ فلم يهتم بها الآخرون؟ وكيف لمبدعيها، والحال هذه، أن يظهروا في المشهد الثقافي العالمي مظهراً يليق بمركز لغتهم التي يتوقع لها أن تحتل المركز الثالث بين لغات البشر سنة 2050؟!
_ كيف تفسر نظرتك كعربي يعيش في بلد غربي للغربي؟ هل ثمة شعور بالدونية من قبل المثقف العربي أمام المثقف الغربي؟
• أغبط في الغربيين غيرتهم على لغاتهم وثقافاتهم، واجتهادهم في الحفاظ عليها وتطويرها والترويج لها في العالم. وأحزن لأني أنتمي إلى تيار يؤمن إيمانا ثابتا أنه لو كانت الحضارة الانسانية عمارة مكونة من عشرة طوابق، لكان خمسة طوابق منها من بناء أجدادي. ومن هذا المنظور أنظر إلى الغربي والشرقي، والشمالي والجنوبي على السواء. أما الذين يشعرون بالدونية تجاه الآخر، فهم الفاقدون لذاكرتهم، فانهزموا ـ بفقدانها ـ من داخلهم. وهؤلاء يشعرون بالدونية تجاه أيِّ آخر ...
- لنخفف قليلا من وطأة الأسئلة بسؤال عن حنينك لوطنك؟ ماذا يعني لك الوطن؟ وهل ثمة ما يؤرق في محيطك الأوربي؟
• أنا مغترب منذ سنة 1979. وبيني وبين الوطن بحار وجبال ووديان وكلاب سلوقية ... والمغترب ـ مهما كانت تجربته ناجحة ـ في أرق مستمر ... فالاغتراب تجربة إنسانية كبيرة ومفيدة في أحايين كثيرة، إلا أن أول ضحاياها هو فقدان السكينة والسلام الروحي ... لقد علمتني الغربة، فيما علمتني، أن أنتزع وطني من قلبي، وأن أجعل من قلبي وطني، فتخلصت بذلك من الحنين وعذابه، ومن الأرق وهمومه
- القراءة مفتاح العلوم. ولنتذكر معا قوله تعالى (إقرأ باسم ربك الذي خلق). كيف ترى تعامل العربي مع الكتاب، والقراءة كفعل ثقافي إنساني؟
• نحن أمة نسيت أنها كانت أمة (اقرأ)! ولتراجع القراءة عند العرب أسباب كثيرة أهمها الظروف الاقتصادية والمافيا العربية التي تسيطر على صناعة الكتاب، التي تمتص جهد الكتاب العرب وتسبب لهم اليأس والإحباط.
إن القراءة ـ بصفتها فعلا ثقافيا إنسانيا ـ ضرورية للإنسان للتواصل مع نفسه ومحيطه والإنسانية. وهي قبل ذلك كله ضرورية لتطوير ذاته وتكوين خلفية ثقافية تراكمية لديه، تجعل منه إنسانا مفيدا في جميع الحالات. فالطالب الذي يدرس مقرراته الدراسية ولا يوسع من آفاقه بالقراءات الجيدة، يرتد بعيد سنوات من تخرجه إلى الأمية. وكذلك الأب والأم والأخ والأخت الذين لا يقرؤون، لأنهم في هذه الحالة لا يطورون أنفسهم، ولا يفيدون غيرهم، ويعيشون على الهامش ...
ونحن نرى انعكاس قلة الاهتمام بالقراءة في حركة الترجمة أيضا، حيث لا يزيد ما يترجمه جميع العرب إلى العربية في السنة على نصف العدد الذي تترجمة دولة مثل اليونان التي لا يتجاوز عدد سكانها العشرة ملايين نسمة!
- كيف تفسر تراجع الكتاب أمام الزخم الإعلامي وتحديدا أمام ذلك السرب من القنوات الفضائية؟
• اسمح لي أن أقول إن الكتاب لم يكن يوماً من الأيام في موقع متقدم لدى عرب اليوم! لقد عرقلت تقدمه كما ذكرت الأمية في الماضي والظروف الاقتصادية في الوقت الحاضر وانعدام أي تقنين فعال لضمان حقوق المؤلفين في ظل سيطرة المافيا على أكثر دور النشر العربية! لقد فعلت هذه الأسباب بالعرب ما عجز جميع أعدائهم عن فعله بهم! وقد تقضي الفضائيات العربية، الوطنية منها والمشبوهة ـ والتي لا أرى فيها خيراً يُذكر ـ على آخر ما تبقى لديهم من أصالة، ومنها (اقرأ)! وقد تكون هذه النظرة تشاؤمية إلا أنها من الواقع المحزن. والأمل الوحيد معقود في الجمعيات المدنية والمثقفين العرب الذين يطلقون ـ بتمويل منهم ـ المواقع الثقافية على الشبكة العنكبوتية ـ مثل موقع الفصيح ومواقع جمعيات المترجمين وغيرها ـ ويقربون بين أبناء اللغة على اختلاف مشاربهم ويوحدونهم في هذه الكيانات الثقافية الطاهرة بهدف إحداث ثورة ثقافية واستدراك ما فات
- ونحن نعيش عصر التقنية وسرعة المعلومات، ترى هل كرس العصر العربي الحديث لإنتاج مثقف عربي؟
• لعلنا نشهد اليوم ولادة ثورة ثقافية في عصر التقنية، تعود على الثقافة والمثقفين العرب بالخير. لكن هذه الولادة تبدو عسيرة جداً لأسباب كثيرة أهمها انعدام وجود البيئة المناسبة لحدوث الولادة ... وقد نحتاج إلى عملية قيصرية من أجل إيصال المولود حياً
- كتبت العديد من المقالات حول اللسانيات ! ترى ما سر ذلك الموضوع؟
• اهتمامي منصب في اللغة في المقام الأول من حيث هي وعاء الثقافة. وبما أني مشتغل في الترجمة، كان لا بد من الاهتمام بالوعاء الذي يستوعب الفكر المترجم إليه دون قلق ... وأنا معني جداً بالدراسات اللغوية من هذا القبيل، فعلم الاشتقاق يساعدنا في وضع المصطلح العربي الصحيح والمناسب للمصطلح الأجنبي المترجم، وعلم صناعة المعجم يعيننا في تعبيد الطريق للمترجمين المبتدئين والمحترفين على السواء، وعلم النحو وتطوير أساليبه تعليمه يساعدنا في تذليل الصعاب أمام المقبلين على تعلم لغتنا من الأجانب ... هذا فضلاً عن حب وشغف كبيرين بعلوم اللغة لأن اللغة أغنى ما يملك الإنسان مما وضعه هو
- كاتب اجتماعي غربي – لا يحضرني اسمه الآن – يعرف الثقافة بأنها "ذلك الكل المعقد من المعارف". هل أصاب ذلك الكاتب شيئا من الحقيقة؟
• أجل! وهذا التعريف ليس جديداً! ألم يعرف الجاحظ الثقافة بأنها الأخذ من كل شيء بطرف؟!
- ماذا تعني لك الكلمات التالية:
الوطن – الغربة – اللغة العربية – شبكة الفصيح؟
• الوطن: الهمّ الدائم! ومن يحمل هموم وطنه معه ويرحل، مقيم لم يرحل!
الغربة: القدر الذي لا مفر منه إلا إلى الله.
اللغة العربية: لغة الدين الحنيف ووعاء الثقافة العزيزة.
شبكة الفصيح: معين لا ينضب من العلم، ووطن أفاضل، عرّفني بإخوة وأخوات يزداد حبي في الله لهم يوما بعد يوم.
- رسائل قصيرة لمن وما هي؟
• تذكير ورسالة.
أما التذكير، فبقول الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم: "إنه ماكان اللين في شيء إلا زانه، ولانزع من شيء إلا شانه". وفي رواية: الرفق.
وأما الرسالة: لا تضيقوا واسعاً، فرحمة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وسعت كل شيء!
- هل لك كلمة أخيرة نختم بها حوارنا؟
• أود أن أشكر جميع أهل الفصيح الأفاضل: الأستاذ الفاضل القاسم مؤسس المنتدى، والمشرفين المعتبرين، والأعضاء الكرام، على حسن استقبالهم للعبد الفقير. شكر الله لهم أجمعين، وأعاننا وإياهم على خدمة هذه اللغة العزيزة
ختاما لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل لضيفنا الكريم ، ولكم أعزائي
ودمتم بخير