البلاغة في اللغة هي الوصول والانتهاء
يقال : بلغ فلان مراده إذا وصل إليه ، ومبلغ الشيء منتهاه
وقال أبوهلال العسكري : البلاغة من قولهم بلغت الغاية إذا انتهيت إليها وبلغتها غيري ، والمبالغة في الأمر أن نبلغ فيه الجهد وننتهي إلى الغاية
أما لسان العرب فيقول :
رجل بليغ وبَلْغ وبِلْغ : حسن الكلام فصيحه ، يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه ، والجمع بلغاء
وما هي وظيفة اللغة إذا لم يستطع صاحبها أن يبلغ بها كنه ما في قلبه ونفسه ، وأن يبلغ بهذا الكنه ـ عن طريقها أيضا ـ نفسَ المخاطَب؟
ومن الحق ألا نقبل من المتكلم مجرد إفهامنا ، وإلا كان كل من يفهمنا حاجته من الأطفال أو الأعاجم أو الفرس أو حتى الحيوانات سواء
لأننا نفهم من هؤلاء حاجات نفوسهم من خلال ألفاظ متناثرة معينة أو إشارات خاصة
لذلك لم يكن شرط الإفهام وحده كافيا لتحقيق البلاغة ، بل لا بد فيه من أن يكون إفهاما يعتمد على وضوح المعنى وبيانه وملاءمته لمقتضى الحال وبالطريقة التي تعارف عليها فصحاء العرب في مجاري كلامهم (1)
ذكر ابن رشيق بعض التعريفات للبلاغة في كتابه العمدة ، أقتطف لكم منها ما يلي : (2)
ـ سئل بعض البلغاء : ما البلاغة ؟ فقال : قليل يفهم ، وكثير لا يسأم
فليست البلاغة في الإيجاز دوما ، ولكنها في أن ننستعمل الإيجاز في محله والإسهاب في محله
ـ قال جعفر بن يحيى البرمكي لعمرو بن مسعدة في كتاب إليه : إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا ، وإذا كان الإيجاز كافيا كان ا لإكثار عيا
ـ سئل بعض الأعراب : من أبلغ الناس ؟ فقال : أسهلهم لفظا وأحسنهم بديهة
ـ وقال المفضل الضبي : قلت لأعرابي : ما البلاغة عندكم ؟ فأجاب : الإيجاز من غير عجز ، والإطناب من غير خلل
ـ وقيل لآخر : ما البلاغة ؟ فقال : إبلاغ المتكلم حاجته بحسن إفهام السامع ؟
ـ قال العتابي : قيم الكلام العقل ، وزينته الصواب ، وحليته الإعراب ، ورائضه اللسان وجسمه القريحة ، وروحه المعاني
وأخيرا يمكننا أن نجمع مما سبق تعريفا للبلاغة فنقول : البلاغة هي وضع الكلام في موضعه من طول وإيجاز ، وتأدية المعنى الجليل أداء واضحا بعبارة صحيحة فصيحة لها في النفس أثر خلاب مع ملاءمة كل كلام للمقام والموطن الذي يقال فيه والأشخاص الذين يخاطبون به
مما تقدم نستطيع أن نستخلص الخصائص الواجب توفرها في الكلام ليكون بليغا ، وهي :
1ـ الفصــاحة
2ـ مراعاة مقتضى الحال
وسنتعرف عليهما بالتفصيل لاحقا بإذن الله
-------------
1ـ الموجز في تاريخ البلاغة ـ الأستاذ الدكتور مازن المبارك
2 ـ العمدة في محاسن الشعر وآدابه ـ ابن رشيق القيرواني ـ تحقيق محمد قرقزان