من واقع عملي
ما أجمل أن يوقظك آذان الفجر ، وما أروع أن تكون أولى الكلمات التي تدخل مسامعك هي (حي على الصلاة ، حي على الفلاح) .
وبعد الصلاة ، تقلب ناظريك بمرأى دفاترك وأوراقك ، استعدادا للذهاب إلى مدرسة .... ، وسأتعرف على المعلم فلان أو المعلمة فلانة .
أخبرتني ساعتي أنها ستشرف بعد دقائق معدودة على التاسعة ، لقد أزف موعد اللقاء ، رحلت إلى تلك المدرسة ، ألقيت السلام مشافهة على من قابلني معلمون أو معلمات أو طلبة أو عاملون بالمدرسة
وألقيت عصا التسيار في مكتب الشؤون الإدارية بالمدرسة
مرحبا .. كيف الحال ؟
مرحبا .. أستاذ ، كيف حالك أنت ؟
اليوم جئت لزيارة المعلمة .........
نعم .. نعم ، عندها الحصة الثانية في فصل ... / ...
أعرف ذلك
بدأت أقلب بعض أوراقي ريثما يدق جرس تلك المدرسة بصوته الذي يوقظ الوسنان ؛ ليعلمني بأن الحصة الثانية قد بدأت ، في هذه الأثناء – بارك الله فيهم – أحضروا لي كوب شاي أخضر (طويسة) ، لتغطي رقعة المسافة التي تفصلني لمصافحة الحصة الثانية .
تكرم أخيرا الجرس بأن أسمعني صوته ، نهضت نهضة الرئبال ، متجها إلى الدور الثاني بالمدرسة ، حيث الفصل (مكان عملي الميداني) ، فقرأت السلام على الجميع المعلمة وطلابها ، ثم اتخذت مكانا لي في أحد المقاعد الخلفية. جال نظري بنظرة بانورامية نحو المكان و السكان ، ثم دونت المعلومات التوثيقية كاسم الدرس و المادة و التاريخ واليوم و الفصل و الحصة و التخصص .....إلخ .
كان الدرس من مادة الصرف وعنوانه (المصادر الرباعية) ، بعد كتابة المعلمة للأمثلة التي تخص الدرس ،بدأت في رحلة الشرح ، ولقد كان الشرح حسنا .
ولكن ما لفت عقلي في حديث المعلمة هي عبارة قالتها، أغرتني هذه العبارة بتسجيلها حرفيا وهي (المصدر الرباعي من الفعل - أفعل - يأتي منه المصدر على وزنان)
فكتبتها في كراستي في لمح البصر خوفا من أن يطويها النسيان ، ثم بعد ذلك تحاورت مع الطلبة لتقييم مستوى تحصيلهم ، وما لبث الجرس أن رن كعادته معلنا وفاة الحصة الثانية ،ومجيء خليفتها الحصة الثالثة .
طلبت من المعلمة أن توافيني في مكتب الشؤون الإدارية ؛لإبداء الملاحظات على أدائها، ونزلتُ إلى حيث المكتب .
جلست على الكرسي ،وبعد هنيهة أقبلت المعلمة وباكورة كلماتي كانت الشكر على العطاء ،و الثناء على العناء ، ثم أخرجت تلك العبارة التي كنت قد سجلتها وقلت لها : ما رأيك في هذه المعلومة التي اقتبستها حرفيا من حديثك في أثناء الشرح ؟
ابتسمت المعلمة ابتسامة يعلوها الخجل ، وكأنها مستعدة لهذه المفاجأة ، وقالت : على وزنين ، فكان ردي لطيفا : جميل .. جميل
وأخمدتُ ما في جعبتي من كلمات و أضمرتها ولو أخرجت لهيبها ؛ لشعرت المعلمة بالذنب طيلة مدة تدريسها أو على الأقل طيلة سماعها باسمي ،أو رؤيتها لي في أثناء الزيارات التفتيشية لها ولباقي المعلمين و المعلمات .
وأقل شيء كنت سأنطق به هو أن معلم اللغة العربية حتى ولو كان يهذي (يخترف) في نومه لقالها (على وزنين) وليس (على وزنان) ، ولكن بعد أن أحسنت المعلمة بالاعتراف بخطئها ، فكان عليّ أن أحسن في العفو ، من ثم انتقلت إلى الحديث عن مثالبها و مناقبها في جوانب تدريسها المتعددة .
بموقفي هذه ، أكون قد أزعجت بعض المفتشين الذين يتدخلون للتصحيح فور وقوع المعلم في الخطأ في أثناء تأديته للعملية التدريسية داخل الفصل ، هذا وإن ظن بعض المفتشين أن لهذا التدخل جوانب إيجابية ،فإنني أرى أن ضرره أكثر من نفعه .
فمن سلبياته أنه يضر بسمعة المعلم أمام طلابه، ويجعله محط سخرية عند الطلبة، ويفقدون الثقة به بسبب هذه الهفوة التي قد تقع من أي مشتغل بحقل التعليم ، فمن منا لا يخطئ ؟ وإنما الخطأ في تكرار الخطأ ، هنا يبرز دور التوجيه الصحيح ، ولا ننسى أن النصح أمام الملأ هو نوع من التقريع و التوبيخ ، ولا يقصد به الإصلاح بقدر ما يترجم به بعض الأهواء .