إنه الدكتور محمد نايل من علماء الأزهر
بقلم: عمرو محمود
في 2 يناير 1909م بقرية دشلوط التابعة لمركز ديروط بمحافظة أسيوط كان مولد الدكتور محمد نايل أحمد شرقاوي، وتلقَّى مبادئ التعليم الأولى عند بلوغه الخامسة بكتاب القرية؛ حيث بدأ بحفظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة، وبعض المعلومات الأولية في الحساب والخط، وأنهى حفظ القرآن الكريم كاملاً في سن الثانية عشرة، ثم التحق بالمعهد الديني بأسيوط عام 1925م، وحصل منه على الشهادة الثانوية عام 1931م، وكان ترتيبه الأول على جميع المعاهد الدينية بالقطر المصري (كانت أول مرة يحصل فيها معهد أسيوط على الأولية في الثانوية).
التحق طالبًا بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة في عام 1931م، وتابع دراسته فيها متفوقًا حتى فُصل منها وهو في السنة النهائية في حركة الطلاب ضد شيخ الأزهر (الظواهري)، ثم أعيد قيده مرةً أخرى عام 1935م بعد نجاح الحركة، وأُعيد الشيخ المراغي شيخًا للأزهر للمرة الثانية، وحصل في نهاية نفس العام على الشهادة العالية (الليسانس)؛ حيث كان ترتيبه الثاني، والتحق بالدراسات العليا، وحصل على الشهادة العالمية (الدكتوراه) في البلاغة والأدب بدرجة ممتاز عام 1943م، وكان موضوعها: (البلاغة بين عصرين: عصر عبد القاهر الجرجاني وعصر السكاكي.. دراسة مقارنة بين البلاغتين موضوعًا وتاريخًا منذ نشأ إلى القرن السادس الهجري).
وعيِّن مدرسًا بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة عام 1943م لتدريس علوم البلاغة والأدب والنقد، ثم أستاذًا مساعدًا، فأستاذًا عام 1965م، ثم رئيسًا لقسم البلاغة والأدب بالكلية عام 1966م، ثم عيِّن عميدًا للكلية عام 1967م لمدة عامين، ثم أُعير إلى الجامعات العربية الإسلامية أستاذًا ومؤسسًا وعميدًا بالسعودية وليبيا، وبعد تقاعده عيِّن أستاذًا متفرغًا بقسم الدراسات العليا بكلية اللغة العربية بالقاهرة من عام 1982م.
ومن نشاطه العلمي والأدبي والاجتماعي في داخل مصر:
1- اختير رئيسًا لنادي أعضاء هيئة التدريس لجامعة الأزهر من عام 1964- 1970م.
2- عيِّن عضوًا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية من 1965- 1971م.
3- عيِّن عضوًا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية من عام 1982م.
4- اختير عضوًا للجنة وضع وصياغة الدستور (الحالي) عام 1971م [وكان له مواقف واعتراضات حينها؛ منها الاعتراض على اعتبار الاتحاد الاشتراكي سلطة رابعة، وكذلك الاعتراض على أن يكون رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى].
5- اختير عضوًا لمجلس إدارة الجمعية الخيرية الإسلامية من عام 1967م.
6- اختير عضوًا لمجلس إدارة اتحاد الجمعيات والمؤسسات الخاصة العاملة في المساعدات الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية.
7- اختير ممثلاً لجامعة الأزهر في الشعبة القومية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عام 1969م.
8- كان له في صدر شبابه نشاطاتٌ كثيرةٌ ذات طابع دعوي وسياسي ووطني؛ حيث قضى سنوات في جمعية الشبان المسلمين أوائل الثلاثينيات، ثم في جماعة الإخوان المسلمين ابتداءً من عام 1936م؛ حيث كانت الدعوة إلى إحياء الوعي الديني كمرتكز أساسي لإصلاح حال الأمة الإسلامية، وانتُخب حينها عضوًا في مكتب الإرشاد للجماعة عن طلاب الأزهر؛ حيث سعى مسهمًا في هذه الدعوة بجميع الشُعب وفي سائر القرى والمدن، وشارك في كثير من الحركات والأنشطة ذات الطابع الوطني، واعتُقل في سبيل ذلك عدة مرات بين عام 1936م إلى 1949م.
9- دُعي وشارك في كثير من الندوات والبرامج التليفزيونية الدينية والاجتماعية ونُشر له في عديد من الصحف والمجلات الوطنية والعربية الكثير من المقالات والمشاركات العلمية والسياسية، ودُعي في الكثير من الندوات والمؤتمرات الجماهيرية بالقاهرة والمحافظات، وكان أبرزها مشاركته في تعبئة روح الجهاد لجنودنا البواسل بالجبهة إبَّان حرب الاستنزاف قبل حرب 1973م وبعدها.
ومن نشاطه العلمي والأدبي خارج مصر:
1- أعير للسعودية من عام 1949- 1951م لإنشاء دار التوحيد بالطائف على نسق المعاهد الأزهرية ووضع المناهج الدراسية لها وقام بالتدريس بها لمدة عامين.
2- أعير إلى الرياض بالسعودية من عام 1953- 1955م؛ حيث شارك بدور رئيسي في إنشاء كليتي الشريعة واللغة العربية تحسبًا لحدوث أخطار كانت موجهةً للأزهر آنذاك (وهاتان الكليتان هما النواة التي قامت عليهما جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض)، وشارك في وضع المناهج العلمية والتدريس بكلية اللغة العربية لعامين.
3- أعير إلى جدة بالسعودية عام 1955- 1956م للتدريس بكلية التربية، وهي الكلية التي أصبحت النواة لجامعة الملك عبد العزيز.
4- أعير إلى الرياض عامي 1960- 1962م للتدريس بكلية اللغة العربية.
5- أعير إلى ليبيا لجامعة بنغازي من عام 1971- 1975م أستاذًا بكلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية بمدينة البيضاء، ثم عيِّن رئيسًا لقسم اللغة العربية وآدابها ورئيسًا للجنة الثقافية بالكلية، كما تمَّ ترشيحه من قِبَل أعضاء هيئة التدريس ولجنة الطلبة لانتخابات منصب رئيس الجامعة (كانت بالانتخاب حينها).
6- اختير من قبل رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (الشيخ عبد العزيز ابن باز حينها)؛ للإشراف على إنشاء كلية اللغة العربية والآداب بالجامعة المذكورة، ووضع مناهجها الدراسية، وعند افتتاحها ألقى فضيلته كلمة هيئة التدريس، ثم عيَّنه الأمير فهد بن عبد العزيز (ولي العهد حينها) عميدًا للكلية لمدة ثلاثة أعوام من 1975- 1978م.
7- مثَّلَ فضيلته جامعة الأزهر في كثير من المؤتمرات العربية والعالمية محليًّا وخارجيًّا مشاركًا بالبحوث والدراسات، ومنها على سبيل المثال:
أ- سفره إلى ألمانيا الشرقية لحضور مؤتمرها عام 1968م بمناسبة مرور 100 عام على ميلاد المستشرق الألماني كارل بروكلمان، وألقى به محاضرةً عن جهوده في الدراسات العربية.
ب- سفره إلى الرباط بالمغرب عام 1969م للمشاركة في مؤتمر اتحاد الجامعات العربية والإسلامية، وألقى به بحثًا حول هذا الشأن.
جـ- ومن خلال عمله في ليبيا وبناءً على اقتراح فضيلته إلى رئاسة جامعة بنغازي بضرورة دعوة كبار علماء الشريعة والقانون والاقتصاد في العالم العربي والإسلامي لدراسة وتوحيد التشريع الإسلامي في تلك النواحي، وبعد تبنِّي هذا الاقتراح وتنفيذه؛ تمَّ دعوة فضيلته إلى حضور هذا المؤتمر، والذي عقد عام 1972م بقاعة الشعب بمدينة البيضاء بليبيا وحضره كبار العلماء المتخصصين.
د- مثَّل الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في مؤتمر خبراء العربية الذي عُقد بالرياض عام 1977م وشارك في وضع توصياته.
كان فضيلته مقلاًّ في التأليف؛ لكثرة نشاطاته السياسية والوطنية والدينية وأسفاره الخارجية، ومع ذلك فقد ألَّف:
1- كتاب "عصر عبد القاهر الجرجاني وعصر السكاكي"، ويعدُّ موسوعةً في فن البلاغة والنقد الأدبي منذ نشأته إلى القرن السادس الهجري.
2- كتاب "اتجاهات وآراء في النقد الأدبي الحديث".
3- كتاب: نظرية العلاقات بين عبد القاهر والنقد الغربي الحديث.
4- كتاب "بين الأدب والنقد".
5- عدد كبير من الدراسات والمذكرات والبحوث هي محاضراته في الأدب والبلاغة والنقد؛ التي أُلقيت على الفرق الدراسية المختلفة، والتي طُبعت ووزِّعت حينها في الجامعات العربية بمصر والسعودية وليبيا، وقد نأى عن جمعها وطبعها كتبًا حينها تيسيرًا عن كاهل الطلبة والدارسين وراغبي العلم.
وقد نال فضيلته تقدير الهيئات التي عمل أو اتصل بها، وحصل على:
- وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، عام 1983م.
- نوط الامتياز من الطبقة الأولى كداعية إسلامي، عام 1989م.
في مجمع اللغة العربية
انتُخب فضيلته لعضوية المجمع اللغوي في القاهرة في ديسمبر عام 1985م خلفًا للمرحوم المهندس أحمد عبده الشرباصي، وزير الأشغال العامة ثم الأوقاف الأسبق، واستقال في 16 أبريل 1986م.
وشارك فضيلته منذ ذلك التاريخ في جميع أعمال المجمع، سواء مجالسه أو مؤتمراته أو لجانه، وخاصةً لجنة الأصول ولجنة الألفاظ والأساليب، ولجنة الأدب، وقد باشر فيها ما كانت تقوم بدراسته من قضايا لغوية وأدبية.
وقد قدَّم فضيلته في دورة المجمع 53 بحثًا حول "مذهب الصّرْفة" في الإعجاز القرآني، كما قدم في الدورة 55 بحثًا، موضوعه "ليس في اللغة واو للاستئناف".
ثم ترجَّل الفارس النبيل بعد قرن من الزمان لتنتهي رحلته مع العلم والدعوة.
http://www.ikhwanonline.com./article...9978&secid=362