و لأن الجميع يتحدث عن ١٣ ألف قتيل في صيدنا اسمحوا عن أحدثكم عن طيف من تجربتي القصيرة في سجن الأمن العسكري مع إخواني البريئين :
سأحدثكم يا أصحاب عما هو أفظع من الموت، الموت، ما أحلاه حين يخلصك مما تراه بعينيك و تذوقه بجسدك و يعصر وجدانك و ألمك....
عندما أدخلوني للسجن تلقاني اثنان منهم و عانقاني و قالا :" ياه عطر! كدنا ننساه...هل صحيح سيطلقون سراحنا برعاية كوفي عنان؟"
هذا السؤال (عن عفو عام) قد سمعته مئات المرات و كأنهم يريدونك أن تبقى على قيد الحياة و لا تنتحر...
في كل ساعة يلقون أمامك معذباً جديداً كما تلقى الخرقة البالية لا تكاد تعرف لون جلده أأزرق أم أحمر أم أسود؟
في كل ساعة مشبوح جديد ( يوثقون يدي السجين و راء ظهره ثم يرفعونه بحبل مربوط إلى القيد و يجلدونه بثلاثة سياط و كل واحد له ثخن و شكل يختلف عن صاحبه)
في كل ساعة حالات إغماء بسبب ضيق المكان و كثرة الأنفاس..
في كل ساعة تسمع السجناء يسبون الدين والقرآن و المقدسات...
و ليس غريبا أن ترى كل يوم مجنونا جديدا...
أما حالات الظلم و الأخذ بالشبهة فحدث و لا حرج...
في تلك الزنزانة تشعر كم أنت رخيص عندهم إنك لا تساوي أكثر من المتر المربع الذي يمنحونك إياه مع ثلاثة آخرين...
دخلنا و خرجنا و تيقنا أنه لا أحد يأبه للمعتقلين لا أحد..
هذا غيض من فيض و الموت أجمل الضيوف ...